هي ثقافة أم ثقافات؟؟ / محمود محمد الأسد

هي ثقافة أم ثقافات ؟؟
حلب- صحيفة الجماهير
ثقافة
الثلاثاء15-5 - 2012
محمودمحمد أسد
يجودُ علينا معجمُ المصطلحات الحديثة ، ومقولات الباحثين والمحلّلين لفيض من المصطلحات والمسمَّيات التي يفرضونها علينا في المقابلات الصحفية والتلفزيونية وراح قسم كبيرٌ يردِّدها وكأنها شيْءٌ من ثوابته. في كلِّ منتدى هناك أنواعٌ لا حصر لها، قرعَتْ آذاننا أنواعٌ من الثقافات ولا أعرف مدى تقبّلها.
هناك ثقافة الجوع و التجويع و ثقافة السوق الاجتماعي ، وثقافة الاكتفاء الذاتي ، وثقافة الاختلاف و قسْ على ذلك الكثير ، وربما نسمع بعد ذلك ثقافة إدارة المصطلحات السياسية الوافدة ، وثقافة إدارة الدوائر ومثلها ثقافة تنظيم الحوار وقل : ثقافة إرضاء الأولاد و الزوجات والسكرتيرات ، وثقافة القناعة والقبول بالأمر الواقع وفي هذه الأيام تطرح ثقافة الخوف نفسها على المشهد الثقافي والاجتماعي ، وربّما يكون لها جذور في مسار حياتنا عندما علَّمَتْنا الظروف و الأيَّام كيف نتعامل مع الأقوى من ذوي الجاه و المواقع ومع الزمن أصبحت تشكّلُ حالةً سلوكية اجتماعية ينهجها فريق واسع من المثقفين والمتعلمين والعامة .‏
السؤال الملحُّ والذي يطرح نفسه مَنْ يخيف مَنْ؟ ومن هو الخائف ؟ أهو المثقف أم الآخر ؟ ومن وراء الظاهرة ؟ ومَنْ روَّج لها .‏
المصيبة الكبرى عندما يستسلم المثقف للخوف ، ويلجأ للآخر ولو على حساب قناعاته وتكوينه وسمعته وما زرعه في دربها فالثقافة نتاج معرفي وسلوكيٌّ إيجابيٌّ ، وهي محصّلة لواقع إيجابي من المفروض أن يشكّلَ حالةَ تنويريّة واعية وفعلاً ثقافياً معرفيَّاً متكاملاً فالثقافة حاضنٍ يسعى إلى التكوين والتغيير ، ولم تكن في يوم من الأيام سبيلاً إلى إرضاء الأفرادِ على حساب الآخر وهذه الظاهرة المرضيّة كان المجتمع يرفضها و يلفظها من مسار حياته وسلوكه. متى كان السلوك المنحازُ للسلبية سلوكاً و قانوناً اجتماعياً معرفيّاً؟ وماذا نأخذُ من هذه الثقافات التي انصبَّتْ علينا دون دراية أو تحصيف.‏
ما أراه في هذه المصطلحات أنَّها تتوافق وتتناسب مع هذه التقسيمات السياسية والمذهبية والعرقية التي انتشرت كالطاعون والسرطان في مجتمعنا العربي ... هي حالة ترسيخ للتفكك الفكري والثقافي والسياسيّ .. وهي حالة تبعيَّة ضعيفة من الثقافي إلى السياسي الراهن العابث بمكوّناتنا المعرفية فالثقافي حالة صافية وهي أنقى وأسمى من هذه التبعية، فالسياسي ينهل من الثقافي ويؤسِّسُ رؤيته وقناعاته. فالثقافي فضاء رحبٌ وعالمٌ حرٌّ متوائمٌ مع ذاته ومتفهِّمٌ للآخر وليسَ تابعاً وصدى ببغاويّاً لمقولات وآراءَ تسعى للتشويه والتفكيك .‏
ثقافة الخوف ماذا تعني ؟ وثقافة الجوع والتأثيم و التكفير وغيرها إلى أين ستصلُ ؟ ومن أين تستمدُ مرجعيَّتها ؟ وما الذي تضيفه للمشهد الثقافي النائمِ والذي من المفروض أن يكون يقظاً ..‏
والأسئلة تولِّدُ أسئلة دون وصولٍ للهدف الأسمى بل سترمينا في متاهات الحيرة والضياع والتخلّي عن الذات الذي تشكّل الثقافة الحقيقية إحدى دعاماته .‏
ألا يكفينا ما نحن عليه حتى نبادر إلى ترسيخ هذا البناء الإسفنجي الذي يمتص كلَّ شيء ، ولا يستطيع حمله .‏
إن الثقافة سلوك إراديٌ واعٍ وعالم معرفي متكامل ومدروس لاانفصام فيها ولا جمهوريات وممالك خاصة لها هي الثقافة فحسب.‏
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏
أعجبني
تعليق
مشاركة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء