أزمة ضمير / د. عبد الحميد ديوان
قصة قصيرة أزمة ضمير
بقلم د. عبد الحميد ديوان
- 1 –
عندما نظرت اليها لأول وهله خيل الي أنها راقصة تخطو برشاقة على المسرح . . كانت وهي ترسم خطواتها الرشيقة على أرض الرصيف المقابل لاتني تحرك مع كل خطوة تخطوها كل عضو في جسمها . . كانت يمينا ويسارا تعبر بنظراتها المحلات القائمة على جل نبي الشارع الكبير , ومع كل التفاتة ينتفض جسمها الرقيق انتفاضة الطائر المتمرد . . . يا له من منظر رائع أوقفني عن متابعة سيرى لحظات كنت فيها انساق بخيالي مع تلك الفاتنة . . تابعتها قليلاً بنظرات نهمه إلى أن اختفت عن ناظري في تيار البشر .
- 2 –
- عفواً . . اني اسف يا سيدتي . . لم يكن قصدي ان اصطدم بك . . اكرر اسفي واعتذر . . وتابعت طريقي بسرعة كنت بدأتها عندما خرجت من عملي دون ان انتبه للسيدة التي صدمتها , ولكني لمحت ابتسامتها وانا امرق من جنبها , فالتقت ابتسم معتذراً مرة اخرى . . يا الله اا . . انها هي . . هي بعينها . . تلك الفاتنة الحسناء التي شدة انتباهي في الصباح حتى كدت أخرج عن طوري قليلاً . . لم ادر للوهلة الاولى ماذا أفعل , ولاحظت هي ارتباكي فاتسعت ابتسامتها . . وكانت هذه الابتسامة دافعاً أكبر جعلني أسارع الى الامساك بزمام تلك الفرصة التي هيأتها السماء لي .
سيدتي . . اقدم اعتذاري مرة أخرى . . قلت لها ذلك وأنا اتقدم منها ماداً يدي أصافح يدها . . وترددت قليلاً قبل أن تسلم يدها .
- سيدتي اسمحي لي ان أقدم نفسي . . اعدى أحمد . . امتهن وظيفة لا بأس بها في أحدى دوائر الدولة . . وتابعت وأنا اتهمها بنظراتي المحرقة .
أنا يا سيدتي في خدمتك متى شئت . .
قالت وهي تبتسم في ارتباك ظاهر . .
شكراً يا أستاذ أحمد 1 1 . .
وارادت أن تتابع طريقها . . اسرعت اسد عليها الطريق وأنا أحاول أن استخلص منها وعداً بعد أعرف اسمها .
قلت يبدو أن سيدتي لازالت غاضبة ؟ . .
اجابت . . لا . . لا ابداً . . لست غاضبة .
- ولكنك لم تجيبيني بكلمة تريح ضميري المعذب . . كما أنك تشرفيني بمعرفة اسمك الذي اجزم بانه جميل .
- أهكذا حكم فورا أنه جميل ؟ 1 .. وضحكت . . ثم تابعت . . اسمي حسناء . . الا ترى أنه لا ينطبق مع الواقع فعلاً ؟ 1 ..
اجبتها بسرعة . . كيف يا أنسة حسناء ؟ 1 . . الواقع أن اسمك لا يمثل فعلاً ما تتمتعين به من جمال . . وذكاء وأدب .
وضحكت برشاقة وهي تنظر الي في اشراق كامل . . قلت لنفسي أنها فرصة طيبة للخطوة التالية .
سيدتي الحسناء . . أود أن أوجه اليك سؤالاً واعتذار عن سخافته . . . والواقع انني متردد . . .
اجابت وهي ترنو بابتسامة ماكرة . .
- ما الداعي للسؤال اذا كان سخيفاً ؟
انها ماكرة حقاً . لقد سدت علي الطريق . . ولكنني سأسير بالشوط إلى اخره .
اجبتها أنه مجرد فضول . . نشأ منذ لقائي بك .
قالت باستسلام تفضل واسأل
قلت أظن انك متزوجة ؟ . .
ابتسمت في غموض واجابت . . وأي شيء من هذا يفيدك . . أنت لا تعرفني الا منذ لحظات قليلة ؟ .
قلت لقد تشرفت بمعرفتك القصيرة هذه . . واحب أن أريح نفسي من تساؤلاتها التي تراكمت علي . . وتابعت ضاحكاً فقد بدأت الغيرة تركب نفسي .
. . هل جميع مغامراتك تقوم بمثل هذه السرعه . .
اجبتها وأنا اصطنع الانزعاج
حاشا لله يا سيدتي . . فأنا ابعد مما تظنين عن هذا الميدان . . صحيح ان لم يمض على مشاهدتي لك الا فترة قصيرة ولكنك دخلت في نفسي . . وهذه المرة الاولى أقسم لك على ذلك . . وتابعت وان اصطنع الغضب . ان كان في نفسك شك فأنا على استعداد للاعتذار فوراً والانسحاب من أمامك . .
قالت لا داعي لذلك لقد كنت امزح معك . . لست متزوجة يا سيدي بل اني تزوجت ورمّلت . . لق توفي زوجي منذ زمن ليس بالبعيد . . وشردت بعينيها الى البعيد بنظرة حزينة ثم ردت نظرتها الي بعد برهه وابتسمت قائلة هل ارضاك ذلك . . لقد كشفت لك ذاتي .
اجبتها وانا انظر اليها نظرة اكتسبتها شوقاً
- نعم . . الان امتلأت نفسي رضا وتابعت بسرعة . . هل لي يا انستي الحسناء أن اتجرأ واطلب لقاء اخر لكن بعيداً عن هذا الشارع .
- أرجو أن لا يكون هذا اللقاء هو اللقاء الأول والاخير ؟ .
نظرت الي محدقة في تردد ولم تجب للوهلة الاولى . . فاضطربت نفسي كثيراً خشية ان تفلت هذه الفرصة من يدي خصوصاً وأني تعبت في استدراجها , ولكني سرعان ما وجدت السرور علا كياني بعد أن شاهدت البسمة تتراقص على شفتيها كبلبل يغرد في سماء تمتلئ بالسعادة واجابت وهي تبتسم
في الغد سأذهب الى ( المتنزه ) في المساء . . . وامتدت بعد ذلك يدها تصافحني فشددت على يدها بحرارة وأنا امني نفسي بالموعد الحالم . . .
-3-
لم يمض على أول لقاء سوى شهر حتى اصبحنا وكأننا نحيا معاً منذ الازل كانت تنظر الي وكأنني الحبيب الذي تبحث عنه منذ عرفت للحياة طعماً . . كانت ترى في الرجل الذي يعطيها كل ما تطلبه من حب وحنان . . كانت تتلهف إلى سماع كلمة حب ابثها في اذنيها . . فتنشد بروحها الى كلمة اقولها لها .
وكنت انظر اليها على انها جسد رشيق يتمتع بجمال عظيم . . ان بشرتها البيضاء وشعرها الاسود الجميل الذي يتوج رأسها وينسدل برقة وحنان على كتفيها , يحيط بالكتفين كأنه غلالة رقيقة تغطي هذا الجسد الجميل تقيه حر الشمس ونسمة البرد . . ذلك الجسد الملائكي كان يقف أمام عيني سدا يحجز ما دونه .
تلك القامة المدبدة وهاتان الساقان البضان ونهداها اللذان طالما انحنيت ابل ريقي من لذيذ رضابهما . . كانت نظرتي اليها نظرتي الى الجسد . . وكانت نظرتها الي نظرتها الى الروح . . وكنت اشعر انها تحبني بروحها تطلب مني أن استشف عالم الحب بروحي وأنا أناي عن عالم المادة والشهوات , ولكن شهوة الجسد كانت قد استحكمت في نفسي واصبحت مطلباً لا أتنازل عنه .
- 4 –
قلت لها وأنا ارتب نفسي لليلة حمراء انشدها معها
- ما رأيك يا حسنائي الحبيبة ان نبعد عن هذا العالم الصاخب المزعج بضعة أيام الى الريف الجميل . .
( وتابعت ) فهو المكان الوحيد الذي نستطيع ان نرتب فيه أمورنا . . ونخطط لمستقبلنا معاً . .
قلت ذلك وأنا أقبلها وأحثها على سرعة النطق بالايجاب . . وتابعت مشدداً على كلمة أقولها
مستقبل الحب السعيد . . اليس كذلك يا حبيبتي
- أفعل ما تجده صالحاً لنا يا حبيبي فأنت في غنى عن أن تسألني . . الا ترى أنك . .
أنا ؟ . . السنا متحدين ؟ .. الست أعز علي من نفسي . .
قلت وأنا أحاول أن أملك نفسي مقيداً ضميري الذي تجمد تقريباً .
- اذن سنذهب غداً إلى بيتنا في الريف . . أنه اشبه بالقصر وهو محاط بالأشجار والحدائق وستسرين كثيراً من تلك المناطق الخلابه .
- رؤيتك أجمل منظر يا حبيبتي .
- 5 –
وانتفضت بشدة وهي تحاول ستر ما انكشف من جسدها . . بعد ان تمزق ثوبها بفضل أظافري التي كانت ممتدة إلى جسدها تدفعها الشهوة العمياء التي كانت تحرق جسدي . . لقد كونت هذه الشهوة غلاله سميكه على عيني لم أعد أرى سوى هذا الجسد البديع . . العاري أمامي . .
- لك الله يا أحمد . . لك الله يا .. لقد كنت أملأ . . ولكنه ضاع . . لا . . لا . . أنت لا تستحق أن تكون املا . . ماذا أفعل . . رباه . . ( قالت ذلك بحرقة ) وتابعت وهي تنظر الي كأني تمثال مجسد للسوء في تلك اللحظة . .
لك الله . . أين حبك . . أين دنياك التي اشبعتني منها . . أكان ذلك يا سيدي حلماً أهكذا يكون تجسيدك يا سيدي ؟ . . أهو الجسد في رأيك فقط ؟ . .
لك الله . . لا .. بل لنا الله يا سيدي . . فنحن اسنأنا فهم نفسينا منذ البداية . . نظرت الي بانكسار وتابعت . لقد حطمت حبي يا سيدي . . حطمتني
- 6 –
وانطلقت وراءها أحمل حقيبة الملا بس وأنا اجر اذيال الخيبه ومرارة الندم . . ولكن كان الاوان قد فات وضميري يقرع رأسي الفارغة بصوته الداوي . . أيها الجبان . . أيها الجسد . . أيها الشهواني . . ها هي النتيجة . . الا تراها . . ها هو نتاج عملك وابصره جيداً . . ماذا تريد بعد ذلك ؟ ..
واشحت بوجهي جانباً وأنا ازفر في ألم .
د عبد الحميد ديوان
تعليقات
إرسال تعليق