هوامش على هامش الأماني / محمود محمد أسد
ومية سياسية تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر - حلب
حلب صحيفة الجماهير
الأحد12-2 - 2012
محمود محمد أسد
هوامش على هامش الأماني
لم تتعبْني نفسي يوماً بالتفكير والسّعي إلى الأمنيات البعيدة في مداها، والتي يصعب تحقيقُها، ولم أنهض يوما للبحث عمّا تبقّى لي من أمنيّات في آخر العمر.ثمّ أؤجّلها إلى العام القادم وتشاؤما أسمّيه العادم القادم. أؤجّلها مع الدّيون المتراكمة الثقيلة على البال والجيب والحضور.
سوف تقول الكثير عنّي: أهناك إنسان ماتتْ أمانيه؟ أو لمْ تلدْ له أمنيّاتٌ بعد؟ وكيف يعيش ؟ ولماذا يعيشُ المرء على هذا الهامش الأسود من الحياة التي ترحّب بالمواليد والطّيور وتفتح صدرها للوافدين إليها ؟؟
كنتُ لا أرسل نفسي ورغباتي بعيدا عن حدود بصري وبصيرتي، ومازلْتُ على مقربة من قناعتي أحاورها ، فتستجيب، تحاورني نفسي في بعض المغرياتِ فأدير لها ظهري ، ولا أستكين لها. أرضى بالمقسوم، وأوزّع الفائض عن نفسي لغيري. طموحاتي خارج حدود دفتر حسابات الآخرين. مشاريعي لا تجد من يقرؤها، أو يتأمّلها ،أو يُعجبُ بها، وإذا حدث شيْءٌ من هذا فإنّني مدعاة للسخرية. ولذلك أحببْت ذاك القاموس من المصطلحات..أجدب..أهبل..الله ما طاعمه ..
لا مانع ، هذا شأني. فالأمنياتُ ليستْ ذات بال إذا لم تكن زرْعا وعملا ومساهمة وتنمية مع الإحساس بالآخرين وبلوغ نشوة السّعادة بما أقدِّم. وآخر جلسة كانت مع الأصحاب أصحابِ مهنة المتاعب والشّكوى والضّجر لمن لا يعرفهم. أقول: إنّهم اأولئك الذين لايحسنون السّباحة في الماء ، لكنّهم يحسنون السّباحة بالأحلام والأوهام والمشاريع الورقية. ولا يسعني إهمال أهميّة الورق في حياتهم وحياة الآخرين ولكنْ فرقٌ كبير بين الفريقين.أتركه للتأويل والاستنتاج.وكذلك لا يحسنون إنقاذَ أنفسهم من غرق المطالب المعيشيّة التي تشتدّ علينا جميعا، وتشدّ وثاقها بإحكام على أعناقهم وجيوبهم وأقلامهم. وهم يردّدون قول الشاعر الذي أعرف اسمه وأتركه لمسابقة أدبيّة يستغلّها برنامج ترفيهيّ مشبعٌ بالألوان والأضواء:
أنزلني الدّهرُعلى حكمه
من شامخٍ عالٍ إلى خفض
وغالني الدّهرُ بوَفر الغنى
فليس لي مالٌ سوى عرضي
أتمنّى إيجاد مكان لوضع كتبي ومجلاّتي التي تراكمت ، وتتراكم هنا وهناك لأنّني مبتلٍ بحبّها والجري حولها رغم عدم انتظامها وسوء توزيعها ومعاملة بعض المحلات المعدّة لذلك.يا لها من أمنيّة مدعاة للضحك والقلب إلى الوراء . وهناك آخرُمن الذين خصصتُهم بهمّي يتمنّى ألاّ تخاصمَه قرينتُه الموقّرة كلّما أحضر كتابا. تعتبر الكتب ضرّة لها ، والضرّة أهونُ عليها من الكتب ، وأذكركم بأنّها تتباهى بشهاداتها وتفوّقها ولكنّها تفرّق بذكاء وحنكة بين القضيّتين . إحداهما تسبّب هدرَ المال والأولاد أولى هذاحسب زعمها والثانية تجلب المال وتكفي العيال . فيتمنّى هذا المشغول بهمّه أن يكفّ بصر زوجته في لحظة دخوله البيت وهو محمّل بالكتب والمجلاّت . أو تقلب بقدرة قادر إلى حوائج وفواكه وحلوى ثمّ تهرب إلى مكتبته وتستنسخ من جديد.
وذاك الثالثُ المغلوب على أمره توافقَ معي حول أمنيّة قديمة طالما لاحقتْني ، وأنالا ألتفتُ إليها، ولا أقدر على صدّها وردّها. إنّه يتمنّى ان يجد مكانا عامّا مريحا وبسعر معقول يتناسب مع دخله، يأويه طوال النّهار ليقرأ ويكتب ويتجنّب ولاويل امّ العيال وصرخات أولاد الجيران ، ولكنّ الحقيقة التي لا نقدر على البوح بها ، فإنّ زوجاتِنا جميعَهنّ اجتمعنَ على أمنية واحدة لا غير، فقد تنازلْن عن البيت الواسع الوثير وسهرة رأس السّنة وقضاء الصيف والسّياحة في أجمل الأماكن ، وتناسين كلَّ شيْءٍ وتمنّينَ بيتا لا كتاب فيه سوى كتب الأزياء والأبراج والطّهي ..
بعض الأمنيّات تراخت ونامت مستلقية على رصيف صغير لم يستول عليه الباعة بعد لأنه لا يوجد على مقربة منه عامود كهرباء ، نامت في أحضان السّراب علّها تستيقظ في عام آخر يرعاها ويقذفها للأجيال التي شكّلتْ عداوة مع الكتاب بفضل من ؟
امنيتي ألا تشنّ عليّ حملة إعلاميّة ، وألاّ تُظنَّ بيَ الظنون . أليس هذا حديثَ الكثيرين منّا؟؟
تعليقات
إرسال تعليق