ذكاء امرأة/عبد الحميد ديوان

 : سفر المروءة (ذكاء امرأة). 


أشرق وجه سعدى وهي تنظر إلى وجه ابنها يوجه أوامره وتوجيهاته إلى من حوله في القبيلة، وافتر ثغرها عن ابتسامة الرضى وهي تراه سيداً مطاعاً في قبيلته.. بل إنها تراه سيداً لكل العرب،!.. ألم يقل ذلك كل من وفد إليه.؟.. 

لقد سمعت ذلك بأذنيها وتأكد لها أيضاً من خلال رسل القبائل ووفودهم... ها قد تحقق حلمها،فهي منذ أن وعت الدنيا وهي تتمنى أن تصبح علماً من اعلام هذه الصحراء المترامية، وسيدة من سيداتها العظيمات وقد قارب هذا الحلم أن يتحقق بعد زواجها من أبي أوس. ثم هاهو ابنها أوس يهيء لها هذه المكانة من خلال سيادته للقبيلة. خاصة وأنه يشهد له بالعقل والرزانة والحلم. 

وافاقت من أحلامها وخواطرها على صوت ابنها يناديها بعذوبة: أماه.. أيتها الغالية... ألا تحضرين إلى خيمتي لتباركيها بوجودكِ فيها؟.. فضحكت سُعدى وقالت: ألا ترى يا بنيّ أنك كبرتَ على هذا... اذهب إلى مجلسِك ودع أمك لمجلسها الخاص.فابتسم أوس وأجابها:نِعْمَ الأمر يا أماه، ولتنعمي بمجلسكِ وصويحباتك،. ثم انطلق إلى خيمته. 

٢

جلس النعمان على كرسي الملك المذهّب والخيلاء تملأ نفسه،وراح يتلمّس أطراف رداءه المطرّز بخيوطه الذهبية معجباً بنفسه، ولباسه الجديد،. لقد جاءه من كسرى، ملك الملوك، ولقد اختار له هذا الثوب من أفضل اثوابه. 

كان يتأمل الثوب وهو يفكر... إلا تكون هذه الهدية دليلاً على مكانته الخاصة عند كسرى.. نعم.. نعم إنها كذلك،. وأفاق على صوت الحاجب يهمس بجانبه:مولاي :فالتفت إليه متسائلاً:مابك؟.. فأجاب بصوت مرتجف:زعماء القبائل العربية بالباب يامولاي. 

فسأل النعمان مندهشاً:لماذا قدموا؟.. وماذا يريدون؟!.. فأجاب الحاجب:يقولون يا مولاي إنهم أتوا للسلام عليك، فقال النعمان بعد تردد:دعهم يدخلون، وقال لنفسه؛ هؤلاء الأعراب سيدهشون كثيراً عندما يرون هذا الرداء الجميل المزين بالذهب، وأظن بل أؤكد انهم سيحسدونني عليه كثيراً.. ثم اعتدل في جِلسته وسوّى من ردائه حتى يظهر أمامهم بأبهته. 

دخل زعماء القبائل يتسابقون إلى الملك لعلهم بفوزون بمصافحته كلٌّ قبل الآخر علّه يحظى برضاه، وأثناء دخولهم لفت نظرهم منظرُ الملك يجلس على عرشه ملتفاً برداءٍ من الخزِّ مطرّز بخيوطٍ ذهبية ترسم على جوانبه لوحات جمالية مدهشة، ومتوجةٍ بالجواهر، فراحوا يتهامسون فيما بينهم والدهشة تملأ عيونهم، والإعجاب يرسم علائمه على وجههم، 

وعندما استقرّ بهم المقام راح الملك النعمان يتفرّس في وجوههم ليرى أثر ما شاهده من مظاهر الأبهة والفخامة التي تحيط به، فوجد ما يرضيه من دهشتهم وإعجابهم، وتحسُّرهم فابتسم ابتسامة الرضى. ولكن سرعان مااختفت ابتسامته وهو يرى أوس بن حارثة زعيم طيء لاينظر إليه ولا إلى ردائه، فأثار ذلك فضوله، واستغرب كيف أنّ هذا الأعرابيّ الجافي لم يلفت نظره هذا الرداء، ولم يتأثر بتلك الفخامة التي تحيط به، فناداه متعجباً:يا أوس بن حارثة...! 

فرفع أوس نظره إليه متسائلاَ: أمر مولاي

فقال النعمان: مالك لا تنظر إلينا؟!... ألم يعجبك ردائي؟!.. 

فأجاب أوس:النظر إليك أيها المليك يغني عن النظر إلى أيّ شيء آخر، فابتسم النعمان ابتسامة الرضى وقال:ولكن يااوس هذا الرداء أثار إعجاب كل زعماء القبائل، وأثار إعجابي انا أيضاً فكيف لم يُثِر اهتمامك؟!.. 

فقال اوس:يا مولاي إن الرداء لا يلفت النظر بنفسه، وإنما اكتسب هذا الجمال من ارتدائك له.،ولو كان على غيرك لما كانت له هذه الأبهة ولا كان له هذا الجمال. 

فأعجب النعمان برده، وفكر قليلا ثم عزم على أمرٍ سيفعله، وقال للحضور:أشكر لكم حضوركم وتحيتكم، ولكن عودوا غداَ، فإنني سأهدي هذا الرداء لسيد العرب. 

فشكر الزعماء الملك وخرجوا من مجلسه وكلّ واحدٍ منهم يمنّي نفسه بأن الرداء سيكون من نصيبه غداَ. 

أمّا أوس فقد غادر المجلس ولم يبد اهتماما للأمر، ولم يعلق على كلام النعمان. 

٣

عاد أوس إلى مضارب القبيلة وهو يفكر فيما حدث اليوم في مجلس النعمان، وقال لنفسه: كم هي نفوس هؤلاء الزعماء صغيرة حتى يهتموا لمثل هذا الأمر.. ألا تكون الزعامة إلا لمن يرتدي مثل هذا الرداء؟!... أليست الزعامة قيادة وفتوة وحزماً. وراياَ وقوةً؟!.. 

ودخل خيمته، فوجد أمه سُعدى تنتظر رجوعه متلهفة تريد أن تسمع ما جرى في مجلس الملك النعمان. 

نظرت سعدى إلى ابنها فوجدته عائدا بغير الوجه الذي ذهب به فسألته قلقة:مالك يابني أراك شارد اللب مشغول الفكر لقد شغلت فكري اجبني؟!... 

أجابها اوس:افكر يا أمي في ذلك المنظر الغريب الذي كنت فيه قبل قليل.. ردت الأم بسرعة :وما هو المنظر الغريب الذي رأيته طمني؟!.. قال:كنا عند الملك النعمان نسلم عليه ففاجأنا برداء يرتديه لم نر مثله من قبل. قالت: وما الغرابة فيه يابني؟.. 

أجاب:هو مصنوع من الحرير ومطوق بخيوطٍ ذهبية شكلت لوحة جميلة على أطرافه. 

قالت سعدى:وما الغريب في الأمر؟!.. إنه ملك، ومن الطبيعي أن يحصل على مثل هذه الهدايا الثمينة. 

رد قائلا:الغريب يا أماه انه سيهدي هذا الرداء الثمين لسيد العرب، وكل زعيمٍ من زعماء القبائل يظن نفسه جديرا به لأنه كما يرى نفسه سيدا للعرب. 

قالت الام: وهذا الأمر ليس غريبا أيضا فمن عادة النعمان أن يفعل ذلك، وزعماء القبائل يحملون صفات السيادة في قبائلهم.

قال اوس:ولكني أؤكد لك أن المنظر غريب فعلاَ، فما وجدته من تهافت هؤلاء الزعماء على الرداء يجعلني أشعر أنهم ليسوا جديرين بهذه الصفات التي يدّعونها لأنفسهم، وأنا يا أمُّ لا أرى في نفسي ما يحملني على المنافسة من أجل رداء يجعل المرء سيداً، إن السيادة يا أمي ليست رداء يُلبس بل هي فعل يُمارس. 

فأمّنت سعدى على كلامه وقالت له :لقد صدقت ياأوس السيادة فعل يمارس وانت وشأنك إن أردت الذهاب أو البقاء، ودخلت خباءها لتترك أوساً وأفكاره يتصارعان. 

٤

في اليوم الثاني تجمع زعماء القبائل أمام قصر النعمان وقد ارتدى كل واحد منهم أفخر الثياب ممنياَ نفسه بالحصول على رداء الملك الثمين. 

وبعد انتظار قصير إذن الملك للزعماء بالدخول، وراح يستعرض وجوههم وما تزينوا به من لباس. وساء صمت ثقيل والملك ينقِّل بصره بين الحضور عن وجه معين لم يجده بين الحضور. وفجأة نطق بصوت قويٍّ يتساءل:أين أوس بن حارثه؟!.. 

وسرت همهمة بين الحضور، وراح الزعماء ينقّلون البصر بين بعضهم والحيرة ترتسم على وجوههم... وأعاد الملك السؤال:أين أوس بن حارثه؟!.. لماذا لم يحضر معكم؟! فانبرى أحد زعماء القبائل قائلاً:ربما لم يجد في نفسه الثقة بأنه أحد سادة العرب يا مولاي... فقال الملك: بل هو كذلك، والتفت إلى الحاجب قائلا؛ أيها الحاجب أجاب الحاجب وهو يقف أمام الملك بخشوع :أمر مولاي

قال النعمان:اذهب فوراَ إلى أوس في مضارب قومه وادعه ليقدم إلينا. أجاب الحاجب سأذهب على الفور يامولاي. 

انطلق الحاجب مسرعا إلى ديار طيء وأبلغ اوساَ بأمر الملك، فركب أوس حصانه وقدم على الملك النعمان. 

ولما مثل بين يديه سأله النعمان :ماالذي أخرك عنا يااوس؟ 

أجاب اوس:لم أجد في نفسي يا مولاي أنني سيد العرب فتركت هذا الأمر لأحد هؤلاء الزعماء. 

فقال النعمان:بل أنت سيد العرب. البس هذه الحاله لنآ كم تليق بك؟.. 

كانت نظرات الحسد والغيظ والحقد تخترق جسد أوس بن حارثة وهو يرتدي حلةالنعمان الثمينة، ولكنهم لم لم يجرؤا على التلفظ بأي احتجاج أمام الملك فهو الذي قرّر ونفّذ. 

وخرج الجميع من قصر الملك غير راضين عما حصل، وكانت النقمة والغيرة تأكل نفوسهم جميعا. ثم اجتمعوا فيما بينهم يتشاورون في الأمر، وماذا يمكن لهم أن يفعلوا أمام ما حصل.. وبعد جدال طويل استقرّ رأيهم على أن يبحثوا عن شاعر هجّاء فيدفعرا له ما يجعله يهجو اوسا وأمه سُعدى التي هي من حرائر العرب وسيداتهم المعدودات، وبذلك يُسقطوا مكانته بين العرب وينتقموا منه.

 واتجهوا إلى الشاعر الحطيئة لأنه كان من ابرع الشعراء بالهجاء في عصره، وخاطبه كبيرهم قائلا: أيها الشاعر الفحل جرول إننا نقصدك في أمرٍ لايقدر عليه إلا أنت. أجاب الحطيئة :ابشروا ستُقضى حاجتكم إذا كان معكم ثمن ذلك. أجاب كبيرهم نعم.. نعم انها خمسمائة ناقة... خمسمائة يا حطيئة الا يكفيك هذا. 

اجاب الحطيئة ضاحكاَ نعم تكفيني يا أخا العرب.. ولكن من ذا الذي ستدفعون كل هذه النوق لأجل هجائه. وأردف آخر مكملا وتهجو أمه ايضاَ. قال الحطيئة لقد اثرتم فضولي فمن هو ذلك التعيس الذي وقع تحت أسنان حقدكم.. 

قال الكبير؛ انه أوس يا حطيئة أوس بن حارثة الا تعرفه. 

إجابهم الحطيئة ونظرة التساؤل والخيبة باديتان على وجهه وكيف لا أعرفه انه سيد العرب وكريمهم، ولكن مالذي دفعكم لهذا الفعل. 

فانبرى أحدهم قائلا؛ نحن نريد أن تهجوه لأنه انتزع منا أثمن ما يملكه النعمان رداؤه الحريري المذهب وأكثر من ذلك جعله سيدا علينا جميعا ونحن لا نرضى بذلك. 

قال الحطيئة؛:  انه سيد العرب وانتم تعرفون ذلك أنه ابن الكرم والنبل والأصل الذي لاينكر وصاحب الرأي السديد.

قال كبيرهم؛ كف عن ذلك يا حطيئة وافعل ما نطلبه منك وخذ النوق. اجابهم:انا لا استطيع فعل ذلك ففضله على وعلى بيتي وما حولي ولذلك تلمسوا أحداً غيري. فقال له أحدهم وهو يعلم طمع الحطيئة :ولكنك يا حطيئة ستفقد خمسمائة ناقه إذا لم تفعل ذلك. أجاب الحطيئة فليكن  اذهبوا عني... وراح يخاطب نفسه ساخبر اوساَ وسيعوضني عن نوقهم. 

٥

انطلق الزعماء بغيظهم المتأجج يبحثون عن شاعر يشفي غليلهم، وبعد بحث مضنٍ وطويل توصلوا إلى بشر بن أبي خازم الذي الهبه الطمع بالنوق فرضي أن يقوم بهجاء اوسٍ وأمه. 

وقفت سُعدى أمام خِبائها تتأمل مجاهل الصحراء الممتدة أمامها كبساط اصفر، ورماله الذهبية تصافح وجهها حيناَ بعد آخر. 

وفجأة طرق سمعها صوت هامس يردد ابياتاً من الشعر، فانصتت السمع قليلا علّها تسمع ما يقول ذلك المختبئ وراء الخيام.. كانت اللهفة بادية على محياها، فهي تعشق الشعر كغيرها من فتيات العرب وتتغنى بابيات الفخر والحب بل إنها كانت ترتجز بعض الأبيات 

دققت سعدى السمع جيدا فتناهى إلى سمعها ابيات تقول:

الا أبلغ بني لامٍ رسولا.            فبئس محلُّ راحلة الغريبِ

لضيفٌ قد ألمّ بها عشاءً.          على الخسف المبيّن والجدوب

وما اوسٌ ولو سودتموه.          بمخشيَّ العُرام ولا اريب

فاربدّ وجهها من الغضب، وراحت تهرول باحثة عن قائل هذه الأبيات بكل قوتها، وبعد جهد وجدته يقبع خلف إحدى الخيام ملثماً لا تبدو فيها إلا عيناه، وصرخت في وجهه:من انت ايها الغريب وما الذي اجلسك هنا، ولمن هذه الأبيات التي ينطق بها لسانك القذر؟!.

وقبل أن  يجيبها صرخت بأعلى صوتها مستنجدة طالبة العون للقبض على الغريب. فأسرع شبان القبيلة إليها ملبين نداءها ثم اقتادوه إلى خيمة اوسٍ مقيداً.

نظر أوس إلى الرجل الغريب الماثل أمامه واللثام لازال يغطي وجهه، فأمر أن يُنزع اللثام عن وجهه، وأمره أن ينتسب،

فارتجف الرجل خوفاَ وقال مستجيراَ:انا يا سيدي من صعاليك العرب، وق أعطاني رجل هذه الأبيات لاقولها في دياركم وكافاني بحفنة من المال. فصرخ أوس محتداَ: ومن هو ذلك الرجل؟ وما اسمه،.

أجاب الرجل بخوف: لا أعلم ياسيدي ولكني سمعت صديقه الذي معه بناديه ب(بشر). فقال أوس :واين هي تلك الأبيات؟. فقال الرجل؛ هي هنا( وأشار إلى رأسه).

فقال أوس والغضب يأكل اطرافه:ألم تحفظ شيئا آخر أيها الصعلوك؟.

أجاب الصعلوك:نعم يا سيدي.. و.. لكن اخاف ان قلتها تبطش بي.

فقال اوس:لا تخف أيها الرجل انت آمن في ديارنا، ولكن قل لي تلك الأبيات.

فأنشأالرجل يقول :

فيا عجباَ عجبتُ لآل لأمٍ.              أعمالهم إذا عقدوا وفاء

مجاهيل إذا ندبوا لجهلٍ.              وليس لهم سوى ذاكم وفاء

فصرخ أوس متألماَ؛ كفّ أيها الرجل... قد عرفتُ ذاك الأحمق الذي قالها.. إنه بشر بن أبي خازم الأسدي.. والله لئن ظفرتُ به لأحرقنّه، ثم نادى في قومه:من يأتيني ببشر الأسدي فله مني خمسمائة ناقة، وقالت سعدى متأثرة:وانا سادفع مثلها لكل من يقبض على ذلك الوقح. 

٦

لم تمض إلا أيام قليلة حتى كان بشر بن أبي خازم يقف أمام أوس بن حارثة مقيداَ ذليلاَ مطاطئ الرأس لا يجرؤ على النظر إليه. 

كان أوس ينظر إليه بغضب شديد ويده تقبض على سيفه تحضّراَ، ثم ناداه بحدّة ألا ترى أيها الفاسق الفاجر كيف أصبحت اليوم؟!.. لم يعد لك ملجأ مني، وستنال جزاء مااقترفت يداك.. ولأقتلنك قِتلة تتحدث بها العرب على مرّ الايام. 

اما بشر فلم ينبث ببنت شفة بل بقى مطأطئ الرأس لا يحرك ساكناً، وهذا ما جعل أوس يزداد غضباَ، فصرخ فيه:مابالك أيها الكاذب لاتنطق؟!.. قل أخبرني لم فعلت ما معلت؟! لم هجوتني وامي مع اننا لم نصنع معك إلا المعروف؟!..

رفع بشر راسه والندم يُطل من عينيه واجابه بصوت خافت:لا ادري يا سيدي ماالذي حفزني إلى ما فعلت سوى الطمع بالمال.. ثم اردف وانا اعترف لك أنني كنت وضيعاً في هذا الأمر، واستحق كل أنواع العقاب.

قال اوس:ولكن هذا التبرير لن يفيدك أيها المخادع، لا بد أن تنال عقابك، وستقتل اليوم حتماَ، ثم نادى أمه قائلا؛ أماه. اسرعي لتشهدي مقتل بشرٍ ذلك الذي نال من سمعتكِ أيتها العفيفة الشريفة..

وأطلّت سُعدى من خيمتها متسائلة؛ ما بك يا اوس؟ وماالذي تفعله؟ ومن هذا الرجل المقيّد أمامك والخوف يلفه من كل جانب؟!..

قال اوس:إنه يا أمي بشر بن أبي خازم الشاعر المفارق الذي نال من عرضي وعرضك، وستشهدين اليوم قتله حتى يشتفي منه غليلكِ.

نظرت سعدى إلى ابنها بغضب وقالت: بئس الرأي ماتقوله يا اوس. إنك إن فعلت ذلك ستبقى شعره حياً يدور على السنة الناس في كل زمان ومكان.. واكملت:هل لك في خيرٍ من ذلك ياولدي؟.

قال اوس:وهل عندكِ خيرٌ من هذا يا أماه؟.

قالت:نعم. قال؛ ارجو ان لا يكون العفو عنه.

قالت؛ هو ذاك يابني.. وتردّ عليه إبله، وتعطيه مثلها من عندك، ومثلها من عندي، فإنك بذلك تمحو عار قوله إلى الأبد.

فكر اوس فيما قالته أمه وامعن النظر فيه.. ثم انفرجت اساريره وقال:بوركتِ يا امُّ فإن لك راياَ لا يصل إليه أعظم الحكماء، ومَن ملك مروءتكِ لن يكون إلا عظيما، وانت أعظم ام عرفتها، ثم التفت إلى بشر وقال له:أسمعت يابشر قول هذه  التي نلتَ منها بشعرك.؟..! ألا تشعر بالخزي الآن؟.! قم وخذ ما اهدتك اياه هذه التي لن تنسى فضلها عليك ما دمت حيا.

رفع بشر راسه ونظر إلى اوسٍ وأمه نظرة امتنان وقال لهما:اعاهدكما أنني لن أقول منذ الآن شعراً إلا في مدحكما، وسأنقض كل بيت قلته في هجائكما بقصيدة مدح احسن منها، ثم انطلق يقول:

وإني لراج منكَ يا اوس نعمةً.        وإني لأخرى منك يا أوس راهب

فهل ينفَعَنّي اليم إن قلت إنني.       سأشكر إن انعمتَ والشكر واجب

وإني قد اهجرتُ بالقول ظالماَ.       وإني منه يابن سُعدى لتائب


د عبد الحميد ديوان


.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء