بين الواقع المفهوم / احمد بلول

 بين الواقع والمفهوم    إنّ رسالةً ما تفتقر للواقعية، هي رسالة ميّتة وجب دفنها في سِلال دفاتر الأيام ، أو أرشيف التاريخ ربّما لزم فتحها في يومٍ من الأيام ،لاستدعاء الواقع المتجدّد  ، حتّى ولو كان مفهومها صادقا ، أو مؤدّياً لمعناه ، حيث صرفة المعاني والأعمال والمقاصد ، هو واقع الأشياء كما هي عليه الآن في التعاملات ، ولذلك نجد الواقع يفرض علينا فلسفته في المعاملة ، ولو كان مخالفا لأصول الأشياء ، فالضرورات التي تُبيح المحظورات، هي من فلسفة واقع الشيء ،لأنّ سيرورة الحياة تقتضي مسايرة التجدّد المفروض بقوّة الواقع، ألا تلاحظ أنّ ما حَرّم شَرْعُه قد يباح أكْلُه إذا لزم الوجوب؟ ، ألا تلاحظ أنّ مبدأ القوّة وامتلاك أدواتها يفرض بالقوّة واقع الأشياء ؟ ، ألا تلاحظ أنّ ما يرجّح قولا على قولٍ ، أو حتّى حجّة على حجّة لرصد قيمة علميّة أو أدبية هي معايير الواقع الذي هو منطلق التنظير الذي كانت عليه الأشياء في سابق عهدها  ، فآلت أصولاً لتقعيده ، فالواقع هو حجّة الحجج ،  فإذا اختلفت أنا وأنت في تسمية الشمس فذاك حقّ لي ، و  حقّ لك ، ودليل ما لديّ من حجج ودليل ما لديك، هو فيصل الرجحان ، ولكن لا نختلف أنا وأنت مع سلامة البصر في طلوعها أو غروبها علينا ونحن في جغرافيّة واحدة ما لم يحلْ بيننا وبينها حجاب ...

إنّ الكذب على الأفكار ، ومغالطة مفاهيم الواقع من ثقافة ، من سياسة ، من عدالة ، من معاملات ...، هي سبب تخلّف مجتمعاتنا العربية عن كلّ حضارة قائمة أو تقوم ، وإنّ مبدأ الأعمال وصدقها ، هو إخلاص النوايا والمقاصد ، ولا تسمّى الأعمالُ أعمالا،ولا الأفعالُ أفعالا إلاّ بإنجازها ، وإلاّ بقيت نوايا عالقة في الضمائر لا يعلم صدقها إلاّ هو وصاحبها ، فكأنّك بذلك العمل تسمّي مولودا لم يولد ، إنّ ما تحتاجه العرب اليوم هو التصحيح  المفاهيمي لثقافة الأشياء ، فأيُّ صلاةٍ يصلّيها المسلم إذا لم تنهه عن قول الزور ، والفجور ، وأكل أموال الناس بالباطل ،و المحرّمات إلاّ كحركات بهلوانية تُؤدَّى للقفز على حِبال النفاق لتحقيق غاية أو مكسب ما فيتعامل مع هذه التعبّدية ،وكأنّه يتعامل مع عقول بشريّة  ، فيخادعها ويراوغها . وأيّ مفهوم لقوانين نسنّها  قد تصلح نظاماً يقود مجتمعا راقيا  ، ولكن مع الأسف لا نطبّق هذه القوانين، فنجعلها مفاهيم مدفونة مدسوسة في دفاتر محجوبة لا نستعملها إلاّ لمغالطة الواقع بيننا ، فالذي يمتلك نقوداً ولا يصرفها كالذي لا يملك أصلا لهذه النقود  . كيف يتشدّق مَن تشدّق من رئيس دولة ،أو حزب ، أو إدارة ، أو منظّمة ، أو جمعية بكلمة التداول على السلطة ، وهو يعمل جاهداً لإبطال مفعول هذا النظام للتحايل عليه ، وقد بدت عليه تجاعيد الشيخوخة ، ولم يتخلّ عن رئاسة هذه السلطة منذ ربع قرن أو يزيد ، وكأنّها  خلقت له ،أو خلق لها  ؟  ، فأيّ لغة هذه ؟ ، وأيّ مفهوم هذا ؟  وأيّ طرح فكريّ  أو عقلي هذا ؟ ألسنا بشرا  نقول لنُصدَّق، ونعمل لنجازى ....؟

إنّ ما أضرّ المجتمعات العربية - في تصوّرنا - هو بساطة التفكير بعامل جهل الأشياء كما تُحمل عليه ، فإذا جهلتُ الأصول، فأنّى لي أن أقعّد الفروع والمشتقات ؟ ، وإذا جهلت المعنى فأنّى لي أن أعرف معنى المعنى؟ ، والحجّة القويّة مالكة الكتابة والتنظير ، وما يدير العالم هو القوّة العلمية والتكنولوجية والاقتصاد ، فأصبحت أفكارنا تُدار من بعيد بقوّة الواقع العلميّ والتكنولوجيّ ، بل حملتنا بساطة التفكير إلى عالم الاستغراب والغربة ونحن في ديارنا ، فعشنا بعيدين عن أوطاننا ونحن فيها ،  لصنع هذه الأشياء ، فوِجّهتْ تفكيرنا عن قصد من إدارة غزو الأفكار حيث القوّة فاعلة ، والأدوات مالكة ، والسياسات جاهزة لنبقى نبحث عن رغيفٍ نأكله ، ومسكن نسكنه ، ولباسٍ نلبسه وحسبنا هذه الأشياء من ثقالِ وزنها ، وما أحرق الزرع وغرّز الضرعَ الجدالُ العقيم الذي عادى بين الإخوة الأشقاء ، ففعل الخطاب العاطفيّ فعلته ،وأبعدت الجامعة والتعليم عن أهدافهما، وغاب المنهج ، وهميشت الكفاءة ، وزُكّت الرداءة ....

ع/ ك/ه/  الكاتب  والشاعر أحمد بلول المسعديّ / الجلفة / الجزائر


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء