قال تعالى : ( و ما أمرواإلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) / عبد القادر تلجبيني
قال تعالى﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )
مثلما تلثم النحلة وبكل رقة ثغر الأزاهير بعبق عطرها في الصباح فتمنحها بأريجها أغلى ماتملك من رحيقها بكل مودة وإخلاص لتنحني بعدها الأزاهير بكل تواضع وود لتبارك لها عملها الدؤوب بصنع العسل وهي تؤدي ما أمرت به من بذل وجهد وعطاء حيث قال تعالی موحياً للنحل(. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) وبإخلاص الأمومة و حنانها تضم الأم وليدها بكل رفق ورحمة لصدرها بعد أن غادر رحمها لتمنح قلبه السكينة والطمأنينة بإخلاصها في رعايته ليقبل وبكل شغف لرشف الحليب من ثدييها لتكون له بيت الأمان وسَكَنًا وسعادة وأمنا بأروع ايات الإخلاص والرحمة والمودة والحنان فانظر إلى آثار رحمة ربك في خلقه وهو العزيز الحكيم وتعريف الإخلاص لغة يأتي من فعل أخلص يُخلِص بمعنى خَلُص وهي تنقية الشيء وتهذيبه وفعل نجا وسلم والمُخلص هو من اخلَصه الله واصطفاه واجتباه وطهر قلبه من الدنس والعيب أما تعريفه اصطلاحاً فهو تنقية وتصفيةالعمل بصالح النية من جميع شوائب الشرك لأنه يدخل في عمل القلب والجوارح و إن نقيض الإخلاص هو الرياء والنفاق وإنما تكون النية الصادقة بصفاء السريرة فإن كل عمل لايدخل فيه إخلاص النية يكون مشوبا بالرياء وغير متقبل عند الله سبحانه وإن لكل امرئ مانوى فالنية سابقة العمل ومن نعم الإله سبحانه وتعالى علينا وعدله ورحمته وتكرمه علينا يعاملنا بحسب نيتنا حيث يقول تعالى ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ ) و بحسب نيتنا الصادقة وإخلاصنا في حبه ودرجات حسن النية ومن كرمه أن وهب واحتسب لمن نوى ان يخرج للجهاد في سبيله بكل صدق وإخلاص أو نوى القيام لأداء فريضة الحج وحبسه العذر من مرض وعسرة في المال أو لظروف قاهرة أخرى فحرم بذلك فتخلف عن الخروج وكانت نيته صادقة مخلِصة لله تعالى بأن وهبه الله ومنحه ذلك الأجر وهو علی فراش مرضه و في بيته قال تعالى ۗ (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ وذلك من فضل الله وتكرمه على عباده قال تعالي{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَريم ) فلنحسن النية في كل أعمالنا بأن تكون خالصة لله تعالى و.مبتغين بذلك وجهه الكريم ورضاه و إن صفة الإخلاص هي هبة يهبها الله لمن اٌحب من عباده وارتضى أن يودعها في قلبه فكلما ازداد الإيمان عند المرء إرتقى بصفة الإصطفاء ليصبح من عباد الله المُخلَصين عندئذ لا يقربه شيطان بوساوسه أو يستحوذ عليه قال تعالى( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ومثال ذلك ماحدث مع سيدنا يوسف وامراة العزيز حينما عصم الله سيدنا يوسف من كيدها وشر الشيطان فحفظه من الوقوع في الفاحشة حيث قال تعالی ( كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) فالإخلاص هو العبادة الخاصة بين العبد وربه لايطلع عليها أحد غير الله سبحانه حتى أن الكتبة لايميزونها ليكتبوها قال تعالى﴿یَعۡلَمُ خَاۤىِٕنَةَ ٱلۡأَعۡیُنِ وَمَا تُخۡفِی ٱلصُّدُورُ) وتكون متانتها بالثبات والإخلاص واليقين وتفسد تلك الصفة إذا كان الهدف منها التفاخر والتباهي وحب الظهور أمام الناس بمظهر و ثياب الورع والقداسة المزيفة وذلك لاستمالة قلوب الناس إليه بالرياء والنفاق والكذب ويلعب هنا دور السريرة والنية الصادقة والإخلاص بالعمل فأنت حينما تقوم في جوف الليل فتصلي وبكل خشوع أمام الله تعالى ولو ركعتين بإخلاص ووجل هي أفضل من أن يصلي مصل أمام الناس متظاهرا بالخشوع وقلبه غافلا عن الحضور امام الله وذهنه مشغول بأمور الدنيا غير حاضر بل هي تأدية لركوع وسجود دون خشوع بل هو يتظاهر بالورع ليقال عنه بأنه نزيه طيب قال تعالى تسعر النار يوم القيامة بثلاث عالم تعلم العلم بقصد أن يقال عنه إنه عالم ومجاهد جاهد وقاتل ليقال عنه إنه بطل شجاع ومتصدق تصدق بصدقته أمام جموع الناس بقصد أن يقال عنه إنه كريم معطاء ومحب للخير فتزهو بذلك نفسه بالرياء والنفاق والتباهي أمام الناس فيحبط عمله لفقدانه جوهر الإخلاص بالنية الصادقة أما صفة المتصدق الصادق مع الله الذي تصدَق وهو يبتغي وجه الله بها و بإخلاصه مع الله فأنفق حتى لاتعلم شماله ما أنفقت يمينه ولم يجاهر بصدقته وبجود كرمه أمام الناس فيكتب عمله صالحا فهو يستحق ان يرفع عمله إلى الله متقبلا قال تعالى ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا) عندما تسعد قلب المحتاج بالتستر على صدقتك عندما تعطية و لا تفضحه أمام الخلائق فهو جبر الخواطر فتكن نيتك صادقة يزينها الإخلاص ومنابع الإخلاص كثيرة فإخلاصنا سواء في البيت بتربية الأولاد تربية صالحة على الإستقامة والخوف من الله تعالى ومع الزوجة وذلك بمعاملتها معاملة حسنة بتقوى الله وكذلك أثناء عملك و في دائرتك التي نعمل بها وفي المتجر وأثناء التعامل بتجارتك وفي البيع والشراء يجب أن تكون بإخلاص ونقاء فيجب أن يكون بيعك سمحا ودون استغلال ورياء وكذب وأن لاتتعمد رفع قيمة السلعة بالزور والبهتان أو تدخل بألغش بضاعة أخرى على بضاعتك الأصلية تكون أقل قيمة منها لتنال الربح الفاحش بما لايرض الله تعالى أوأي تلاعب في الأوزان وكذلك يشمل الإخلاص برفعته التفاني والرحمة والإخلاص ببر الوالدين خاصة عند الكبر فإخلاصك بخدمتهم سيكون في ابتغاء وجه الله قال تعالى (ولاتنسوا الفضل بينكم) وقال تعالى ( وبالوالدين إحسانا) وأن لا تكون طاعتك لهم من أجل ميراث او حتى يقال عنك أمام الناس بأنك ولد بار طيب وانت تبخل عليهم حتى بالكلمة الطيبة وتذللك وانكسارك أمامهم رحمة وتواضعا والكلمة الطيبة تنعش قلوبهم المنكسرة تنفيذا لأمر الله قال تعالی (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ وبذلك نبني المجتمع الراقي والذي فيه الصلاح والتماسك فيه الرحمة والصدق بقيمه السامية وهو جوهر الثقة والإخلاص وبذلك ننال رضا الإله سبحانه ويكون عملنا بصلاحه مقبول يرفعه الله إليه لنحيا حياة سعيدة في الدنيا والآخرة ونحيا حياة طيبة ونتجنب الوقوع بحبائل الشيطان حينما يزين لنا أعمالنا لنراها حسنة قال تعالی (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) فمن أمثلة الإخلاص إيمان سيدنا إبراهيم وتفانيه بالإخلاص لله تعالى حينما هم بذبح إبنه إسماعيل فلذة كبده بأمر من الله وكان كذلك إخلاص إسماعيل بالتسليم لأمر الله بأنه استجاب لأمر الله بذبحه فاستحق بذلك سيدنا إبراهيم بإخلاصه لله تعالى بأن يكون للناس إماما فكان إيمانه يعادل أمة بأثرها وكذلك إخلاص أم سيدنا موسى والتسليم بأمر الله بقذف ابنها في اليم قال تعالى ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾فكانت مثالا يحتذى به بالإخلاص وضرب الله مثلا للذين آمنوا إمراة فرعون بصبرها على فرعون وكفره ومريم ابنة عمران فكانوا قدوة للتقى والإخلاص في العبادة يحتذى بهم قال تعالى {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ) وقال صلى الله عليه وسلم "يأتي يوم القيامة أناس من أمتي أعمالهم كالجبال ثم ينسفها الله،" فقال الصحابة: من هم ؟ فقال الرسول، "إنهم أمثالكم يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون ويصلون بالليل كما تصلون ولكنهم إذا اختلوا بأنفسهم يفعلون ما حرم الله ثم تلا هذه الآية (وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا)
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأحسن عاقبتنا واعف عنا والطف بنا في هذه المحن أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين
الزميل عبد القادر تلجبيني
تعليقات
إرسال تعليق