.. الرسالة الثامنة .. / ثراء الجدي

.. الرسالة الثامنة .. 

.. رسائل العشق الممنوعة من الصرف .. 

كبرت بين حروفي لأتخذ منها حكاية لا نهاية لها ، فكانت كلماتي تتساقط على السطر كحبات المطر من غيمة أناملي المفعمة برائحة النرجس المعتق من دفء روحي، وبلغت من العمر قرناً ونيف وما زلت أرى طريقي على بعد مسافة من سؤال ، وأحمل على عاتقي مشقة ألف جواب يتردد بذهني لإعادة تشكيل بناء مدينة فاضلة لن يكون لها حقيقة بعالم لا نعلم أصل مجريات تكوينه؛ فجميعنا حكم علينا الولادة بحياة ليست على مقاس أرواحنا -كما أسمائنا التي لم نخترها يوماً- ولكننا اخترعنا صفات تليق بها.

 ففي زحام المجهول تنعشك فكرة ما وترحل عبر الأفول تاركة بثرات طفيفة على عقلك الباطني، وتواصل تفكيرك بمراقبة ماهية حضورها كشاشة عرض البهلواني، صورة تتبعها صورة، كمن ينتزع الحلم باليقظة ، فيكون لزاماً عليك أن تبدي قليلاً من الرفض تارة والقبول تارة أخرى، وتعلن أمام هذا الحشد الهائل من الجمهور قناعتك الروحية الثابتة ، وأنت بقرارة نفسك تعلم أنك ستدخل معركة حتمية بابها صنديد ، فتلقي نظرة طويلة ممتدة ثاقبة أقرب ما تكون بحجم الجنون.

 من نحن ومن نكون ؟ وهل سنبقى قيد اعتقال لتلك الليالي الباردة؟ فتستغل تعاقب عقارب الساعة وتنهض من جديد بفراسة حكمتك الفطرية، ففي غضون دقائق ستكون على أهبة الاستعداد لتخلق إنساناً جديداً بداخلك، فيملأ جوفك نسيم هادىء يداعب طيف من تشتاقه عيناك ، ففي كل ثانية تمر أنت عاشق حتى الثمالة ، وبالطور الأول من الحب ،حتى أنه لا يجعلك قادراً على الإنتظار أكثر ، فتصبح أكثر شفافية وحساسية لهذا الهاجس المنبثق من نافذة روحك، فلا تعلم مصدره ولكنك على يقين بوجوده ، فتأخذه بين يديك وتلقي بمن مروا عبر بصرك خارجاً لتتظاهر بأنك الوحيد المتربع على ناصية الحلم، فتكتفي بإشارة منه لتومىء برأسك راضياً مرضياً .

حينها ستقاوم لهفتك وتبعثر شوقك على صفحات كتابك وتعود إلى سرير ملكك وأنت غارق بماء عطر ورده، فتسدل جفنيك وتدخل عبر ذاك النفق وتمضي باحثاً عن نوره تحت جنح الظلام، ففي نهاية المطاف ستبقى وحيداً تأكلك اللهفة إلى لقياه ، وفريسة تلك الوحدة في قلب مساء مجهول اللحظة، فأنت سجين سرك الإنفرادي وأسير مخاوفك ليتعمق جنونك وهلوساتك المثقلة بالهم ، فتكون على علم بما يجول بداخلك وماذا بوسعك أن تفعل لتمنحه الطمأنينة، إنك بخير؛ فكل ثانية معه كفيلة بأن تشعرك بالغبطة المتراقصة بين شرايينك ، وتعلم أنك تحبه بكل تفاصيله ،وتعشق كل شيء فيه وبه ومعه .

فما ارتباط الحلم بحضوره سوى خرافات تبهج روحك، وأجمل ألف مرة من حقيقة واقع يبكيك ، فكل دقيقة شعور بنبض الحب هو خلود أبدي ورؤية سرمدية لأبعد نقطة عن محيط التكوين البشري المجرد، فكل قارىء للهوى يفهمه بطريقة ومستوى مختلف بحسب عمق بصيرته الروحية فعندما يلتهم الحب تلابيب روحك، تتقد النار بجوفك فتطيل عمر شعلة نور توهجه وتتراقص كالدخان المتناثر عبر أثير ناره لتصبح رماداً بعد غيابه ، وتعلن الحداد عند مفارقته لتبقى مصلوباً على خشب صندل قلبه، لتتعمد من ماء طهره لحظة لقائه وتخلع ثوب صمتك أمام محراب معبد قداسة روحه.

بقلمي/ ثراء الجدي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء