العزلة تهيئة لهدف أعظم/خالد عبد الصمد
العـــزلة تهيئـــــة لهــدف أعظـــم.
قـــد يشـــعر البعــض أحيــانـا بوحــدة عميقـــــة. وهنــا يتســـأل الشـــاعر بالوحــدة لمــاذا تدفعــني الحيـــاة نحــو الوحـــدة؟.
أنــا آري أن الشـــعور بالوحــدة ليــس عشـــوائيا. لكــن قـد يكــون الشــعور بالوحــدة أعــادة توجيـــه بشــكل غــير مباشـــر لهــدف آخـــر أكــثر صـــلاحـا مـن المفقــــــود.
الخـالـق بحكمتـــــه وواســـع رحمتـــه يتغمــــد الأنســـان دائمــا وأبـــدا بواســــع رحمتـــه ومغفـــرته "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. ســورة ق 16". قــد تكـــون الوحــدة نتيجــــة أنتهـــاء عــلاقــة أو فقـــدان وظيفـــــة أو الأنتقــــال مـن مكـــان الـي آخـــر نتيجـــة ظــروف طــارئـة. هنــــا يـولـد الألـــم وقـــد يكــون ألـم قـــوي حـد أخضــــاع الأرادة.
لكــن قــد يكـــون الألــــم ذاتــه هـو المحفــــز للنمــــو. قــال الله تبــارك وتعــالي فــي كتــابه الكـــريم "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ. ســورة البـلد 4". قــد يكــون عــدم الراحـــة دافـــع للتغـــيير. عـــدم الراحــــة قــد يتـــرآي للبعـــض عـلي أنــه فــراغ لكنـــه فـي الحقيقــــة مســـاحة جـديـدة لبــدء مســـتقبل يكتشـــف فيهـــا الأنســـان نفســـه ليعيــــد توجيههــــا نحــو ذاتـــه الحقيقــــية والتـي طمســــت لفــترة مـا تحـــت وطـــأة مـا كــان فيــه الأنســـان.
هنـــا يتضـــح أن الـوحـدة فرصـــة وليســت عقـــوبة وعـلي الأنســان أســتغلالهـا أعـــادة فهــم النفـس بشــكل أفضـــل وهـي فرصـــة للحصـــول عـلي الأســتقلاليـة والتخــلص مـن التبعيـــــة. القــوة الحقيقيـــــة كامنـــة فـي الـداخـــل وليســـت مـن المصـــادر الخارجيـــــة. العــزلة غالبــــا مـا تعــــزز الســلام الـداخــلي والســلام الـداخـــلي يمنـــح الفرصــــة للحصـــول عـلي التـــوازن والأتــزان والأيمـــان للنفـــس دون الحـاجـة الـي دعــم خـــارجي.
العــزلـة تمنـــح التنـاســـق والأنســــجام مـع تـــرددات الكــون والآيـــات الكونيـــــة. ومـن هنــا يســتمد الأنســـان طــاقـة خاصـــة فيترســــخ الأنتمـــاء الـي الــــذات والأتصـــال بالكــون المــترامـي الأطـــراف "مـادة الأنســان مـن نفـس مـادة الكــون" فيقـــل الأعتمــاد عـلي الآخــرين. ومـن واقـــع التصـــالح مـع النفــس والكــون فـي آن واحــد تكــون العــلاقـات مـع الآخــرين أقــوي وأكــثر صـــحة وتقـــل الحـاجـة للتقــــدير أو الرفقــــــة. فالعـــزلـة قـد تكــون مصـــدر لأكتشـــاف الـــذات. والألـــم قـد يكـــون الوســـيلة الوحــيدة لأعـــادة ضـــبط الأهــــداف وللحصـــول عـلي مـزيـــد مـن التـــوازن والدليـــل القـاطـع أن الكــون لا يتوقــف عـن التغـــيير والتطـــور فالكـــون متـوافـــق بقيــومية الله ســـواء فـي التمــدد أو الأنكمـاش أنمـا الأنســان قـد يكــون متمــرد يحــب ويكــره دون عـلم أو درايـــه "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. ســورة البقـــرة 216".
أحيــانـا مـع الأرتبــــاط يفقــــد الأنســـان رؤيـــة أحتيــاجـاتـه الأســاســية وأهــدافـه فيحــدث الأنجـــراف والتبعيــــة وأهمــال الأهــداف الحقيقــية تحـــت وطـــأة هــذا الأرتبـــــاط.
لـــذا دائمـــا وأبـــدا يجـــب المحافظـــــة عـلي التـــوازن فيجــــب تغـــــذيـة الجســــد ويجــب تغـــذيـة النفـــس الغـــذاء الصــــحي مـن واقـــع المنهــــج والتكليــــف.
التـــامـل والتــدبر والصـــلة بالخــالـق هــي دعـــائـم التـــوزان وبدونهـــا يســـقط الأنســــان فـي وحــل الرغبــــات.
الأنســـان الـواعــي يبحـــث عـن الحقيقــــة ولا يبحـــث عــن الســـراب. أول الحقيقـــــة داخــــل الأنســــان "وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ. سـورة الذاريـات 21".
أحتضــــان الوحــدة أول طريـق الحقيقــــة أمـا الســـعي خـلـف الترفيــــه أول طـريـق الســـراب. "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ. ســورة النـور 39".
وقـد يكــون الســراب هـو أول طــريق الفتــــن والفتـــن كقطـــــع الليــــل المظـــلم والظــلام دائمــــا مـا يــؤدي الـي الوهــم والســـراب.
وهــذا يذكـــرني بقـــول الرســـول الكـريـم محمــد صــلي الله عليــه وســـلم:-
قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: أيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الفِتْنَةِ؟ قالَ: قُلتُ: أنا أحْفَظُهُ كما قالَ، قالَ: إنَّكَ عليه لَجَرِيءٌ، فَكيفَ؟ قالَ: قُلتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ، ووَلَدِهِ، وجارِهِ، تُكَفِّرُها الصَّلاةُ، والصَّدَقَةُ والمَعْرُوفُ - قالَ سُلَيْمانُ: قدْ كانَ يقولُ: الصَّلاةُ والصَّدَقَةُ، والأمْرُ بالمَعروفِ - والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، قالَ: ليسَ هذِه أُرِيدُ، ولَكِنِّي أُرِيدُ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ، قالَ: قُلتُ: ليسَ عَلَيْكَ بها يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ بَأْسٌ بيْنَكَ وبيْنَها بابٌ مُغْلَقٌ، قالَ: فيُكْسَرُ البابُ أوْ يُفْتَحُ، قالَ: قُلتُ: لا بَلْ يُكْسَرُ، قالَ: فإنَّه إذا كُسِرَ لَمْ يُغْلَقْ أبَدًا، قالَ: قُلتُ: أجَلْ، فَهِبْنا أنْ نَسْأَلَهُ مَنِ البابُ فَقُلْنا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ، قالَ: فَسَأَلَهُ، فقالَ: عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، قالَ: قُلْنا، فَعَلِمَ عُمَرُ مَن تَعْنِي؟ قالَ: نَعَمْ، كما أنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً وذلكَ أنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا ليسَ بالأغالِيطِ.
الـــــراوي: حذيفــــة بــن اليمــــان – المحـــدث: البخـــــاري – المصــــدر: صـــحيح البخــــاري – حكــم المحـــــدث: صــــحيح.
والحديـــث عـن الرســـول الكـريـم صــلي الله عليــه وســلم دون أجتهـــاد أو رآي. الـدولـة الأســلاميـة خـلال النبـــوة كـانــت قــوية وكانـــت الرعيـــه تهــابه وتحبـــه فـي آن واحـــد والأعــداء يخـافـونه لقــوته وبأســــه. كـان يخشــي عـلي الأمــة مـن الفتـــن وبعــده حقـــا ظهـــرت الفتـــن التـي كـان يخشــي منهــــا لتفــرق الكلمـــة "فتنـــة قتــل عثمـان بـن عفــان رضـي الله عنــه ومـن بعــدهـا الخــوارج والقتــال بيـن عـلي رضـي الله عنــه ومخالفيــــه بخــلاف ظهـــور الفــرق والجمــاعـات الضـــاله التـي لـم تنتهـــي فتنتهـــــا حــتي الآن.
عمــرو بـن الخطـــاب كــان البـــاب الـذي كســــر "تـم قتـــله بيــد أبو لـؤلـؤة المجـوســـي".
هكـــذا كســـر البـــاب وخرجــت الفتـــن التـي تمـــوج كمــــوج البحــــر.
وعـن الفتـــن قــال النبــي محمـــد صـــلي الله عليـه وســـلم "سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ".
الـــراوي: أبـو هــريـــرة – المحـــدث: البخـــاري – المصـــدر: صــحيح البخـــاري – حكــم المحـــدث: صـــحيح.
بخــلاف فتنــــة الدنيــــا والتكالـــب عـلي الأمـوال وزينــــة الدنيـــــا
أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَومٍ علَى المِنْبَرِ وجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: إنِّي ممَّا أخَافُ علَيْكُم مِن بَعْدِي، ما يُفْتَحُ علَيْكُم مِن زَهْرَةِ الدُّنْيَا وزِينَتِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أوَيَأْتي الخَيْرُ بالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقِيلَ له: ما شَأْنُكَ؟ تُكَلِّمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولَا يُكَلِّمُكَ؟ فَرَأَيْنَا أنَّه يُنْزَلُ عليه. قَالَ: فَمَسَحَ عنْه الرُّحَضَاءَ، فَقَالَ: أيْنَ السَّائِلُ؟ -وكَأنَّهُ حَمِدَهُ- فَقَالَ: إنَّه لا يَأْتي الخَيْرُ بالشَّرِّ، وإنَّ ممَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أوْ يُلِمُّ، إلَّا آكِلَةَ الخَضْرَاءِ؛ أكَلَتْ حتَّى إذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وبَالَتْ، ورَتَعَتْ، وإنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ ما أعْطَى منه المِسْكِينَ واليَتِيمَ وابْنَ السَّبِيلِ -أوْ كما قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وإنَّه مَن يَأْخُذُهُ بغيرِ حَقِّهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، ويَكونُ شَهِيدًا عليه يَومَ القِيَامَةِ.
الـــراوي: أبـو ســـعيد الخـــدري – المحـــدث: البخـــاري – المصــدر: صــحيح البخـــاري – حكــم المحـــدث: صــحيح.
وأختتــم بـدعـاء الرســـول اللهم إني أسألك من الخير كلِّه ، عاجلِه و آجلِه ، ما علمتُ منه و ما لم أعلمُ و أسألك الجنةَ و ما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ ، و أعوذُ بك من النَّارِ و ما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ و أسألك مما سألك به محمدٌ ، و أعوذ بك مما تعوَّذَ منه محمدٌ ، و ما قضيتَ لي قضاءً فاجعل عاقبتَه رَشَدًا.
خـالــد عـبد الصــمد.
تعليقات
إرسال تعليق