إضاءة في البلاغة /أحمد سلامة
إضاءة في البلاغة :
خروج الخبر عن مقتضى الحال
أولًا : الفرق بين الخبر والإنشاء
ينقسم الكلام في اللغة إلى قسمين : الخبر والإنشاء .
الخبر : هو ما يحتمل الصدق أو الكذب حسب مطابقته للواقع .
مثال : "السيل يداهم القرية" .
يكون الخبر صادقًا إذا كان السيل فعلًا يداهم القرية .
يكون كاذبًا إذا لم يكن هناك أي أثر للسيل .
الإنشاء : هو ما لا يحتمل الصدق أو الكذب وينقسم إلى :
1ـ إنشاء غير طلبي : مثل صيغ المدح ، الذم ، القسم ، التعجب ، والرجاء .
2 ـ إنشاء طلبي : مثل الأمر ، النهي ، الاستفهام ، التمني ، والنداء .
مثال : "يا رجل ، انتبه للسيارة" (هذا نداء وأمر ، ولا يحتمل الصدق أو الكذب)
ثانيًا : أنواع الخبر وفق حال المخاطب
ينقسم الخبر ، بحسب موقف المتلقي منه إلى ثلاثة أنواع :
1ـ الخبر الابتدائي :
يُلقى للمخاطب الذي لا يعرف الخبر ولا يُنكره .
لا يُستخدم فيه التأكيد لعدم الحاجة إليه .
مثال : "القاضي عادل" (بلا مؤكدات)
2 ـ الخبر الطلبي :
يُلقى للمخاطب المتردد أو الشاك في الخبر .
ويُؤكد بمؤكد واحد لإزالة الشك .
مثال : "إن القاضي عادل" (مؤكد واحد : "إن") .
3 ـ الخبر الإنكاري :
يُلقى للمخاطب المنكر للخبر والمعتقد بخلافه.
يُؤكد بمؤكدين أو أكثر حسب درجة الإنكار .
مثال : "إن القاضي لعادل" (مؤكدان : "إن" و"اللام") .
ثالثًا : خروج الخبر عن مقتضى الظاهر
أحيانًا ، يخرج الخبر عن مقتضى الظاهر لاعتبارات يلحظها المتكلم ، فيتم تأكيد ما لا يحتاج إلى تأكيد ، أو العكس، وفقًا لحالة المخاطب .. ومن أبرز هذه الحالات :
1/ تنزيل غير المنكر منزلة المنكر
يُلقى الخبر الابتدائي مع التأكيد ، رغم أن المخاطب لا ينكره ، بسبب ظهور أمارات الإنكار عليه .
مثال : تأكيد حقيقة الموت في قوله تعالى :
"ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ" (المؤمنون: 15) .
المخاطبون لا يُنكرون الموت ، لكن سلوكهم المتمثل في نسيانه والانشغال بالدنيا جعَلهم كمن ينكره ، لذا نُزّلوا منزلة المنكرين ، وأُكد الخبر بـ"إن" و"اللام".
2/ تنزيل المنكر منزلة غير المنكر
يُلقى الخبر بلا تأكيد ، رغم إنكار المخاطب له ، إذا كانت هناك أدلة واضحة تزيل إنكاره لو تأملها .
مثال : في الرد على المشركين المنكرين لوحدانية الله :
"وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ" (البقرة: 163) .
رغم إنكار المخاطبين لوحدانية الله ، لم يُؤكد الخبر ، لأن الأدلة على التوحيد واضحة ، ولو تأملوها لزال إنكارهم. لذا عُوملوا معاملة غير المنكرين .
والخلاصة :
خروج الخبر عن مقتضى الظاهر ليس عشوائيًا ، بل يخضع لاعتبارات بلاغية دقيقة تُراعي حال المخاطب ومدى تقبّله للخبر ، فيؤكَّد أو يُخفَّف بناءً على ذلك ، مما يجعله أكثر تأثيرًا وإقناعًا .
ودمتم بخير
بقلمي/ احمد سلامه
تعليقات
إرسال تعليق