من يشاركني البحث؟ /محمود محمد أسد

 من يُشاركني البحث..؟ 

             

- أبحثُ عن رقعة من الزمان والمكان لأُنهض فيهما ما تبقّى من شهيق الكلمات .

- أبحث عن كلمة لا تحتويها الحروف والنقاط . ولا تحتويها البلاغة والبيان .

 أبحث عن صمت بليغ يتجاوز محسّنات البيان . 

- أبحث عن رشفة ماء تأتي بلا رقيب وحسيب وجواز .

 عن رشفة ماء تحفظ ماء الوجه من عبث اللّئام .

- أبحث عن كرسيٍّ في حافلة تحفظ الأمن وتوصل للأمان ، وتُبعد عني عثرات اللسان  خوفا من الركاب المداومين من صياح الديكة بحثا عن ضحيّة تقذفه عصارة الحياة .

- أبحث عن مساحة للدفء تقيني من ثلج طاولات المقاهي والحدائق وأضيف إليها منازل الولاء .

- أبحث عن وجع نبيل أستحمّ به ، فيمسح عنّي غبار الصيّادين المنتشرين في جيب الجوّال .

- أبحث عن وطن يغفر لي سوء ظنّي وكيدي وطعني له بوضح النهار. 

- أبحث عن وطن يبكي بلا دموع، ويضحك باستحياء، وينام تحت جناح ليل الخيام.

أبحث عن نفسي في أكياس الرّمل والتّبن  والهواء المكدّس في كلّ ركن من زوايا التائهين النائمين في الضياع.

- أبحث عن فكرة عذراء لم يغتصبْها تجّار الكلام في زمن تسلّم فيه الزّناةُ حقوق الإنسان .

- أبحث عن رصاصة وقذيفة تبني المدارس والبيوت وتعيد البراءة إلى مقاعدها وأسِرّتها بعد موت الكلام على أيدي وألسنة تجار النقاء.

- أبحث عن رغيف خبز يشاركني به أولاد بنايتي الذين كانوا يرَونه يدخل البيوت ، ولا يذوقون إلا دمع الانتظار.

- أبحث عن أمي وأبي وأخوتي وبيتي . عن كلّ الجيران. عن هرّتي وكتابي. أبحث عن امرئ اشتقتُ إليه ، أبثّه لواعجي وآلامي من كيد الكبار.

- أبحث عن أغنية صافية المذاق نقية الحروف دافئة المشاعر .قالوا لي : عَبَث بها العيّار، وحرّفها صُنّاع النّفاق.

- أبحث عنكَ فهل أراكَ ؟ أبحث عن نفسي فلا أراني . أبحث عن متعة موقوتة ، وأبحث عن ضحكة مرهونة بالصّفاء. أبحثُ في السّراب فهل يجافيني السّراب ؟ 

- أبحث عن كنه ذاتي وحرفي وخطوي وانتمائي، فيعتريني الضّحك حتى البكاء. 

- أبحث عمّن يستر عوراتي وعيوبي وخرافاتي. 

أبحث عمّن يداري نزقي وصراحتي وقبحَ تصرُّفاتي.

-  أبحث عن موت يليق بوجع الحروف والنقاط ورسوم الصّغار العُصاة.

- أبحث عن موت يُدثِّرني ويُزمّلني ويحفظني قبل فوات الأوان.

- أبحث عن جاهل غنيٍّ يحرق المكتبات والكتّاب، ويُرسل رجال المنابر إلى محاكم الزّمان .

- أبحث عمّن يُحسنُ النيَّة والفهمَ وتقليبَ الحروفِ وبعدَ المقصد في زمن يغدر به من باعوا أنفسَهم بأبخس الأثمان.

- أبحث عن شاعر باحثٍ يأتيني صامتا ، يزرع في مزرعتي دوح الكلام.

- أبحث عن نبإ جادّ صادق يعلن إفلاس كلّ الإيديولوجيات المستوردة على ظهور الببغاوات.

- أبحث عن فكر نقيّ وعن اختلاف يُشعُّ نورا وحياةً. لا يجافيني ويحرقني بالبهتان والرياء والقيل والقال.

أبحث عن مؤسّسات وأندية وجمعيات لا علَم لها ولا شعار ولاورقةَ عمل  مركونة في الكرّاس ومعلقة على الجدران.

- أبحث عن كائن يعرف، ويدرك دلالات العتاب والاعتذار. يسبقنا في الصمت ويغلبنا بالمبادرات ، ويستحيي من الله .فلا يقول  : أنا  و أنا  و كنتُ وعملتُ. ونظرات الحضور تختصرالمشهد وكذبه  بقراءة صحيفة يأكلها العفن والصدأ والرطوبة . ويبقى مستمرّاً في الهراء.

-  أبحث عن رجل منتج فكرا ورأيا وعملا، يعيش الحياة عطاء وتضحية ، يرحل ولا يعلم برحيله إلا القلّة النادرة في هذا الزمان.

- أبحث عن صمت فاعل فعل الزلازل والبراكين في الإنسان .مَن فهم الرّسالة وتوجّه للبحث؟ . افهم أيّها الإنسان ..

- أبحث عن شارع مزدحم لا يؤذيني ببوق السيّارات وصوت الباعة ونزق رجال المرور . ولا تخيفني أرصفة تعج بالموبقات.

- أبحث عن صحيفة لا تنطق باسم الحقيقة فتطمسها ولا ترفع شعار الوحدة وهي تهاجم العروبة والدول ليل نهار. أبحث عن صحيفة لا ذكر فيها للأسماء ولا أثر للصور . بعدها أبحث عن قارئ نبيه يفكّ شفرات الأدعياء .

- أبحث عن وطن لن يكون البديل, ولن يكون الحصّالة. ولن يكون كلَّ يوم في شان.

- أبحث عن وطن رسمتُه من طفولتي . لونه حبٌّ, وطعمُه حبٌّ ، ومذاقه حبٌّ.علمُه حبّ، ولغته حبّ، ودينُه حبّ. وشعارُه صنعُ الحبّ 

- أبحث عن فكر ثقافيّ، لا تنوءُ به أوزارُ المتسكعين على مخلفات تركتْها مآدبُ المارقين الحاقدين المدّعين بعث الحياة.

أبحث عن نصّ وقول، لا يجلدني بالشتائم والسّباب واللّعنات,ولا يُرغمني على التسبيح والتحميد بمآثر البلغاء والأمراء وسلاطين الهواء.

- أبحث عن مسابقات بلا جوائز ولا ترتيب ولا مكافآت . كي نستكشف الحقيقة والخدمة لله والوطن والإنسان.

- أبحث عن قارئ لا يسخر منّي ومن هذا الكلام، لا يقدم على التمزيق والحرق واللعي وكثرة الآه. هذا لا حاجة للبحث والسؤال عنه . فاعذروني أيها القرّاء. 

       *****  

محمود محمد أسد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء