عزف على إيقاع الغياب / بوزيد كربوعي

عزفٌ على إيقاع الغياب . 

في الغرفة التي تأكل جدرانها الصمت،
يتكئُ الليل على جسد فقد ملامح الحياة.
لا نافذةَ هنا، لا ريحٌ تجرؤ على الطَرق،
ولا يدٌ تعرف كيف تُزيح الستارة عن الضوء.
أنا، بلا صوت، أطلُّ عليهم كحلم ثقيل،
يتدلّى من ذاكرة فجر لم يكتمل.
كلُّ همسة من وجدانهم
تنكسرُ داخلي كشظايا مرآة أُهملت.
لا وجع، لا صرخة،
فقط خفةٌ مبهمة،
كأنّ شيئًا انفصل عني،
وطفق يحلّق فوق معاني لم أعد أملكها.
أفتّش عن اسمي، عن وجه أمي،
عن ضحكة سكنت ظهيرة بعيدة،
لكنّ الأصوات تُبعثرني،
والمكانُ يغسل خطايَ القديمة بالنسيان.
كلُّ شيءٍ ابتعد،
الحنين، الدفء، وحتى الخوف.
لم يعد يعنيني أن أبقى،
ولا أن أُرحّل ظلّي عن هذا المكان.
نسيت كيف تُلمس الأرض،
كيف يُستنشق الهواء،
كأنني طائرٌ ضيّع أجنحته في العاصفة،
واكتفى بالطواف في ذاكرة الريح.
أرى نفسي هناك،
بهيئة لا تشبهني،
والنور المتسرّب من عينيَّ
لا يعكسُ سوى امتداد الغياب.
أعزف الصمت،
على وتر لا يسمعه أحد.
وفي ركنٍ لم تطأه العيون،
يطلُّ طفلٌ
بملامح تشبه القصائد التي لم تُكتب بعد.
يمدُّ إليّ يده،
وفي صوته ارتجافة سؤال:
ألن نرحل؟
فأتبعه.
لا بكاء، لا وداع،
فقط ظلٌّ يُفلت من الجسد،
ويمضي، 
كأنّه كان ينتظر هذا الرحيل منذ البداية.
وما تبقى؟
ضوء خافت ينام في زاوية الذاكرة،
وقلبٌ تعلّم كيف يغني الغياب، 
بصوت لا يسمعه أحد.

بوزيد كربوعي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء