حين يعود الطفل / بوزيد كربوعي
حين يعود الطفل
حين يبتسم الأملُ،
كطفل دفنوه حيًّا في ذاكرة قديمة،
لا يُشعلُ ظلامك،
بل يوهمك بالنورِ عند أطراف العتمة.
هو ليس نفقًا للنجاة، بل نفقٌ آخر،
أرضه رخوة، وجدرانه تتآمر مع الرطوبة.
يمضي معك،
كمن يمشي على شظايا قلبه،
دون أن يشتكي.
لكنه لا يطمئن.
الأمل؟ ليس فارسًا أبيض،
بل شظيّة تعرف جلدك أكثر منك.
تسكنك،
وتذكّرك مع كل نبضة أنك ما زلت تنزف الحياة.
هو ذاك الطين الذي يحلم بأن يكون إناءً،
ولا يصير.
هو الصرخة التي لا يسمعها أحد،
لكنها تشق الجدار.
حين تغفو المدن في أحذيتها،
وحين يصبح الفجر موضع شك،
يطلّ الأمل،
لا كصباح، بل كخطأ في التوقيت،
كطفل تذوّق الحزن في سنّ الحليب،
ثم ابتسم.
الأمل ليس نجاة.
هو ظلّك الذي يسبقك، ويقول لك: اتبعني،
لو أن لي ذراعًا تمسك الريح،
لأغلقتُ النافذة،
لئلا يتسلّل البرد إلى عظامٍ انتظرَت طويلاً.
لكني لم أطلب شيئًا،
كنت مستلقيًا كغيمة على سرير لا يُقلع،
تحيط بي وجوهٌ أعرف نصفها، وينكرني نصفها الآخر.
كأنني انتظرت قطارًا لم يأتِ،
وبقيت أراقب البكاء.
أنا بخير.
فقط بعض البرد.
وبعض الصمت،
صمتٌ بدا كرحم بلا أم.
ولا حتى الرغبة في غلق النافذة تثقل قلبي الآن.
كنت خفيفًا،
كفكرة تُنسى قبل أن تُكتب.
دخلتُ الغرفة مريضًا،
لكنني الآن شُفيت.
شُفيت من الانتظار، من الأمل.
فلماذا تبكون؟
لماذا تنقر دموعكم جبيني،
كطقوس وداع لا أعرفها؟
نهضت، أو هكذا خُيّل إليّ.
مددت يدي إلى النافذة،
لكنها عبرت كطيف،
أصابعي لم تكن لي،
كانت ضبابًا،
والمقبض حلمًا مبتورًا.
التفتّ،
فرأيتني هناك، أنا،
مضموم اليدين فوق صدري،
كأنني أصلّي صلاة بلا لسان، بلا رجاء،
ولا قيامة قريبة.
يا وجعي،
كيف أوقظني وأنا في موتٍ أعمقَ من النوم؟
كيف أنادي روحي وقد سبقتني إلى الضوء؟
صرتُ خفيفًا،
من الجسد، من الخوف، من الحنين.
كأنني غُفرت، ثم نُسيت.
شيء ما في صدري يومض،
كفرح بلا سبب،
كالربيع في قبر.
وجوههم لا تُبكيني،
ولا تُحييني.
أنا على الضفة الأخرى من الحب،
حيث لا رجاء، ولا بكاء.
وعند الباب،
وقف صبيٌّ بثياب مرقّعة،
يحمل كسرة خبز لم تكتمل.
ابتسم لي،
أعرفه. أعرف تلك الابتسامة.
قال:
أما آن لنا أن نذهب؟
لم أجب.
هززت رأسي،
وضعت يدي في يده،
كانت باردة.
لكنها أدفأتني.
تذكّرت:
ذلك الطفل، كان أنا.
بوزيد كربوعي .
تعليقات
إرسال تعليق