الغابة النرويجية : في غابة الذاكرة / محمد جمال ريحاوي
🔥"الغابة النرويجية: أنين الروح في غابة الذاكرة"
🌀#محمد- جمال- ريحاوي.
📕مقدمة: نبذة عن الكاتب
هاروكي موراكامي، أحد أعلام الأدب الياباني المعاصر، وُلد في كيوتو عام 1949. عُرف بقدرته الفذّة على الغوص في أعماق النفس الإنسانية، ورسم عوالم نفسية ومجازية تلامس الواقع وتحلّق فوقه. تجمع أعماله بين البساطة اللغوية والعمق الوجودي، ويطغى على رواياته الطابع التأملي، حيث يمتزج الحنين بالعزلة، والحب بالموت، والواقع بالحلم. تُرجمت كتبه إلى عشرات اللغات، وحازت شهرة عالمية، منها: "كافكا على الشاطئ"، و"1Q84"، و"مطاردة الخراف الجامحة". غير أن روايته "الغابة النرويجية" تُعدّ علامة فارقة في مسيرته، إذ فتحت له باب الانتشار الواسع في اليابان والعالم.
📕تلخيص الرواية
"الغابة النرويجية" ليست مجرد قصة حب، بل هي مرآة مكسورة تنعكس فيها شظايا الإنسان، وهشاشته أمام الحب والفقد والموت. تدور أحداث الرواية في طوكيو أواخر الستينيات، حيث يعود "تورو واتانابي"، الراوي، بذاكرته إلى شبابه المضطرب، بعد أن سمع أغنية" الخشب النرويجي" لفرقة البيتلز على متن طائرة تهبط في ألمانيا، فتفتح له بوابة الحنين ويغوص في غابة الذكريات.
تورو طالب جامعي منطوٍ، يعيش حياةً رتيبة محاطة بالعزلة، تلاحقه أطياف صديقه "كيزوكي"، الذي انتحر في سن السابعة عشرة، مخلفًا وراءه فراغًا قاتلًا. هذا الحدث يشكّل نقطة التحول في حياة تورو، ويرتبط بمصيره العاطفي مع "ناوكو"، الحبيبة السابقة لكيزوكي، التي تعاني من اضطراب نفسي عميق. تتوطد علاقتهما، لكن ناوكو تغرق تدريجيًا في ظلامها الداخلي، وتلجأ إلى مصحة جبلية للعلاج، كأنها تهرب من الحياة نفسها، لا من مرضها.
في هذا الجو الكئيب، يلتقي تورو بشخصيات متعددة، أهمها "ميدوري"، زميلته الجامعية، فتاة مفعمة بالحياة، جريئة، واقعية، ومتناقضة تمامًا مع ناوكو. تمثل ميدوري الحياة بكل تناقضاتها، رغبتها في العيش، ورفضها للموات العاطفي. يجد تورو نفسه ممزقًا بين عالمين: الغابة الرمادية التي تمثلها ناوكو، والبريق الحيّ الذي تتجلى فيه ميدوري.
لكن الخلاص لا يأتي بسهولة. تسير الرواية على حد السكين، بين الحب والمرض، بين الرغبة في التواصل والخوف من الانهيار. بعد فترة في المصحة، تغرق ناوكو أكثر في اكتئابها، وتنهي حياتها، فتترك تورو في دوامة جديدة من الأسى والضياع. لكن هذه المأساة تدفعه نحو حسم داخلي، وإن لم يُفصح موراكامي عن قرار نهائي، فإنه يرسم ملامح النهوض البطيء من تحت الرماد، والانفتاح على الحياة من جديد.
"الغابة النرويجية" هي أيضا تأمل طويل في معنى الوحدة، في الهوية اليابانية الممزقة بعد الحرب، في الجسد كجغرافيا للرغبة والحزن، وفي الموت كجزء لا ينفصل عن النضج.
📕الرؤية النقدية
رواية "الغابة النرويجية" تُمثل قمّة النضج الأدبي عند موراكامي، فهي، رغم بساطة لغتها وسردها الخالي من التعقيد الظاهري، تحمل في طياتها ثقلًا نفسيًا وفلسفيًا عميقًا. استطاع الكاتب أن يرسم لوحة حية للاضطراب الوجودي الذي يعيشه الجيل الياباني ما بعد الحرب، دون أن يغرق في الميلودراما. تتجلى براعة موراكامي في جعلك تشعر بكل نسمة هواء تمر بين أغصان الغابة النرويجية، وبكل نأمة صمت في روح ناوكو الممزقة.
إلا أن بعض النقّاد يرون أن الرواية تغرق أحيانًا في التأمل السلبي، وأن شخصياتها النسائية تميل لأن تكون رمزية أكثر من كونها بشرًا حقيقيين. كما أن وتيرتها البطيئة قد لا تناسب من يبحث عن الحدث والتشويق. لكن هذا البطء جزء من أسلوبها؛ هي ليست رواية "ماذا سيحدث"، بل رواية "لماذا نشعر بما نشعر".
إنها، في جوهرها، أغنية حزينة تطوف في فضاء الذاكرة، تهمس للقارئ بأن الحب قد لا يكون خلاصًا، وأن الفقد لا يُشفى منه بالهرب، بل بالتماس معنى في العيش رغم الجراح.
📕خاتمة
"الغابة النرويجية" رواية تأسرك بهدوئها العاصف، تُشبه مشيًا وحيدًا في حديقة تذبل أوراقها، لكنها لا تكفّ عن الغناء. رواية عن كيف يمكن للحب أن يكون نجاتنا وهاويتنا في آن. هي دعوة للتأمل، لا للهرب، وللتصالح مع ألم لا يُشفى، بل يُعاش.
تعليقات
إرسال تعليق