لماذا تقدموا وتاخرنا ؟/ ماهر اللطيف

 لماذا تقدموا، وتأخرنا ؟ ؟ ؟


(مقال). 


بقلم:ماهر اللطيف


في ظل ما يشهده العالم المعاصر من تحولات ووضعيات خطيرة تهدد الكينونة البشرية واستمرارها على هذه البسيطة مثل الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة التي يمر بها منذ سنوات، وظاهرة الهجرة غير النظامية التي يعانيها البعض على حساب البعض الآخر، ولا سيما منها تلك الحروب غير المبررة والمتكافئة التي يخوضها "الصهاينة" في الشرق الأوسط في أكثر من مكان انطلاقا من غزة بفلسطين، مرورا ب"حزب الله" بلبنان، و"الحوثيين" باليمن، وغيرها، وصولا إلى إيران، فحري بنا أن نتساءل عدة أسئلة تبدو لنا - كمسلمين- مصيرية وجوهرية، ومنها " لماذا تقدم اليهود وقادوا العالم َوسيطروا عليه، وتأخر المسلمون وضعفوا، وهم أكثر عددا وعتادا ومالا؟".


فمن هم اليهود ومن نحن المسلمون؟ كم تمثل نسبة كل واحد منا حاليا مقارنة ببقية الشرائع السماوية و الأديان؟ كيف استطاع اليهود التقدم والسيطرة على العالم على جميع الأصعدة والميادين في فترة زمنية وجيزة - وإن طالت -؟ لماذا تقهقر المسلمون وخنعوا حتى باتوا في قاع البشرية يكابدون الويلات والمصاعب والعراقيل والمشاكل المتنوعة؟ ما رأينا النهائي من هذه المسألة؟


و بطبيعة الحال، وقبل محاولة الإجابة على هذه الإشكاليات وجب علينا التنويه أننا سنتطرق إلى المسألة من عدة زوايا، لا الزاوية الدينية فقط، بل إننا سنحاول التقليل من التركيز على هذا الجانب ليقترب مجهودنا من الموضوعية ويكتسب مشروعية مرضية لدى المتطلع عليه. فماذا نقصد باليهود والمسلمين؟ وما الفرق بين اليهودية والصهيونية و الماسونية؟


فاليهودية شريعة سماوية نزلت للعبرانيين المنحدرين من سلالة إبراهيم عليه السلام، والمعروفين بالأسباط من بني إسرائيل الذين أرسل الله إليهم موسى بن عمران عليه السلام مؤيدا بالتوراة (اليهودية شريعة منسوبة إلى يهوذا، أحد الأسباط وابن من أبناء يعقوب عليه السلام).


أما الإسلام، فهي أيضا شريعة سماوية تحولت إلى ديانة التوحيد لتشمل ما سبقها من تشريعات - اليهودية والمسيحية بعد أن وقع تحريفهما والتلاعب بمحتوياتهما والانحراف بهما انحرافات خطيرة، ما حدا بالواحد الأحد أن يمسخ بعض اليهود إلى قردة وخنازير، وضرب عليهم الذلة والمسكنة وغيرها - حين قال الله تعالى في سورة المائدة، آية 3 "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، وقد ارتبطت بسيد الخلق وأشرفه محمدا صلى الله عليه وسلم ودستوره الشامل والكامل - مرجع هذا الدين السماوي الكبير - وهو القرآن الكريم.


فما هو الفرق عندئذ بين مصطلحات اليهودية والصهيونية والماسونية - بعد أن وقع ذكر الأولين سلفا -؟


كما ذكرنا، فإن اليهودية شريعة سماوية - وقد بيّنا نزرا من تاريخها سابقا - تهتم الشأن الديني دون غيره، ولها قواعدها، ونواميسها، وقوانينها.


أما الصهيونية فهي حركة سياسية عنصرية ترمي إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين تحكم من خلالها العالم كله، واشتقت "الصهيونية" من اسم "جبل صهيون" في القدس حين ابتنى داود قصره بعد انتقاله من "حبرون" (الخليل) إلى بيت المقدس في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي "هرتزل" الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والمعاصر.


فيما تعني الماسونية البناؤون الأحرار، وهي منظمة يهودية سرية هدامة، محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم، وتدعو إلى الإلحاد و الإباحية والفساد، متسترة تحت شعارات خداعة مثل "الحرية والإخاء والمساواة والإنسانية وغيرها"، وتتخذ الوصولية والنفعية أساسا لتحقيق أغراضها في تكوين حكومة لا دينية عالمية.


فكم تمثل نسبة اليهود والمسلمين مقارنة بغيرهما من الشرائع والديانات المتواجدة حاليا على هذه الأرض؟


تعتبر المسيحية أكبر شريعة من حيث عدد معتنقيها والمؤمنين بها، حيث يشكل المسيحيون حوالي 33٪ من سكان العالم، يليهم المسلمون بنسبة 24٪، الهندوسيون بنسبة 15٪، البوذيون بنسبة 6٪، السيخيون بنسبة 0.35٪، اليهوديون بنسبة 0.22٪، البهائيون بنسبة 0.11٪، ديانات أخرى بنسبة 10.95٪.


فكيف تقدم اليهود، وتطوروا، وقادوا العالم في هذه المدّة الزمنية القصيرة نسبيا؟


فرغم قلة عددهم وانزوائهم بعض الشيء عن بقية معتنقي الشرائع والديانات الأخرى - ولو ظاهريا -، فإنهم قد ركزوا على النوعية، الجودة، الإتقان، المهارات، وغيرها من أسرار النجاح والإبداع والإقلاع وسهولة الانتشار واكتساح الأسواق، الأجساد، العقول، المعتقدات، الأخلاق، الحضارات، وكل المناحي الحياتية العصرية.


فقد ركزوا على التعليم النوعي، التخصص، الإتقان، وما إليه، واستطاعوا أن يحصدوا عديد الجوائز العالمية في شتى القطاعات والميادين، على غرار جوائز نوبل، لأنهم يعطون أهمية قصوى للعلم والتفوق فيه - فهم قوم اقرأ من هذه الناحية إلى جانب المسيحيين وبعض المتدينين الآخرين -.


كما اهتموا بالاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها،بما أن الطفل اليهودي يتربى منذ نعومة أظافره على حب المعرفة والاعتماد على النفس، العمل، وغالبا ما يتعلم لغات أجنبية أخرى، يتقن مهارات مالية، يكتسب تفكيرا نقديا بناء...


ثم أن لليهود مؤسسات داعمة وتقاليد قوية في التعليم والعمل التجاري والصحة وغيرها. فالجاليات اليهودية المنتشرة حول العالم متماسكة جدا، يدعمون بعضهم البعض، يتآزرون، يتضامنون، يعينون بعضهم البعض في كل شيء، خاصة في السياسة، المال، الإعلام والتجارة، وهذا هو "رأس مالهم الاجتماعي" الفعال جدا في صعودهم وإيصالهم إلى المرتبة المرموقة التي هم عليها الآن.


ولا ننسى، حقًّا، نفوذهم في الإعلام والبنوك والبورصات والصناديق النقدية المختلفة، فهم من يمتلكون أغلبها أو يديرونها في أروبا وأمريكا وبقية العالم، وهو ما يمنحهم سيطرة مطلقة - أو شبه مطلقة- في تشكيل الرأي العام والسياسات المحلية والإقليمية والعالمية بكل يسر وسلاسة وفق مخططاتهم وانتظاراتهم وأهدافهم قصيرة المدى وبعيدتها بكل تأكيد.


فاليهود نهاية، يعيشون من أجل غاية "نبيلة وشريفة" بالنسبة إليهم، وهي السيطرة على العالم وتطويعه لمخططاتهم وأمانيهم وطموحاتهم التي تكبر يوما بعد يوم، لذلك فإنهم يعتمدون على أنفسهم ولا ينتظرون مساعدة أحد طواعية مهما كان وزنه وقيمته وتاريخه.


فلماذا تأخر المسلمون وتقهقروا إذن، وأمسوا توابعا، مستهلكين مائة بالمائة، وهم يكسبون ما يكسبون؟


فلم يشفع عدد المسلمين الكبير المنتشرين في كافة أصقاع المعمورة - تجاوز المليارين - ولم يمكنهم من تحقيق ما حققته الأقلية اليهودية كما أشرنا سلفا لعدة أسباب رئيسية وجوهرية.


ولعل أهمها "التشتت والانقسام"، حيث مزق هذا الكيان وتفرق بين الدول والممالك والسلطنات، وانقسم المسلمون إلى طوائف وملل، وتعددت اللغات واللهجات، وبالتالي تضاربت المصالح وتعارضت إلى أن نشبت الحروب بين المسلمين - اليمن والسعودية، العراق وايران، العراق والكويت، ...-.


ثم أن قلة التعاون بين الدول الإسلامية واختلاف الرؤى والتوجهات بينهم يسهم في إضعافهم وتقهقرهم وتزايد الخلافات وحتى العداوة بينهم - المغرب والجزائر مثلا -، وقد يصلون إلى قطع العلاقات وفك كل ارتباط بينهم.


إلى جانب ذلك، فإن الكثير من الدول الإسلامية يعاني فيها قطاع التعليم ويكابد الويلات، خاصة في البرامج والنوعية والتمويل، يغيب فيها التفكير النقدي، التخطيط، الاستشراف، ويحضر التلقين الأعمى، استعمال القوالب الجاهزة، تعويد المتعلم على الاستهلاك بدل الإبداع والخلق والاختراع....


لذلك، فإن عدد براءات الاختراع والأبحاث العلمية المنشورة في الدول الإسلامية والمبادرات الإنسانية وغيرها ضئيل للغاية مقارنة بالدول الغربية.


دون أن نهمل أن بعض الدول الإسلامية تعتمد على النفط، الغاز، الفسفاط، وغيرها من الثروات، أو المساعدات بدلا من بناء اقتصاد إنتاجي قائم على المعرفة والصناعة وتطوير الذات.


أما الفساد والاستبداد، فحدث ولا حرج، فكثير من الثروات تهدر، تسرق، تختفي، ...، بسبب الفساد وسوء الإدارة والحوكمة، مما يعطل التنمية ويهمش الكفاءات ويدفع بهم نحو الهجرة وترك الأوطان هربا من الاغتراب وبحثا عمن يقدرهم ويقدر مواهبهم وطاقاتهم الإبداعية وسنوها.


وأهم أسباب التراخي والتأخر هي ضعف الإعلام والتأثير العالمي الذي يقلل من قدرة العالم الإسلامي على إيصال صوته أو التأثير في السياسات العالمية والإقليمية وحتى المحلية أحيانا.


فالمسلمون عندئذ، أمة مستهلكة، خانعة، مستسلمة، متهاونة، متهالكة، ...، رغم ثرواتها، مكتسباتها، علمائها، وكفاءاتها. فهل نفهم من ذلك أن الوضع ميؤوس منه وكارثي إلى أبعد الحدود ولا يبشر بخير؟


أبدا، لا يمكن تبني هذه الفكرة، أو مجرد التفكير فيها انطلاقا من أن كل شيء نسبي من جهة - فهذه الوضعية تختلف من منطقة إلى أخرى ومن نظام حكم إلى آخر -، وأن هناك عديد الدول الإسلامية التي بدأت تصعد وتنجح وتقارع بقية القِوَى العالمية على غرار تركيا، ماليزيا، إندونيسيا، قطر، الإمارات العربية المتحدة، (في بعض الجوانب بالنسبة إلى قطر والإمارات) وغيرها، من جهة ثانية.


كما إن الصحوة الثقافية والدينية التي تدعو إلى العلم والعمل بدأت تنتشر في العالم الإسلامي خصوصا بين الشباب، وهو مؤشر إيجابي يبعث على الأمل والبهجة.


دون أن ننسى أن الجاليات الإسلامية في الغرب وأمريكا أصبحت أكثر تعليما وتفتحا وتنويرا واندماجا، مما يجعلها أمام حتمية تأدية دور أكبر في بلدانهم في المستقبل القريب والبعيد بكل تأكيد.


فما رأينا النهائي من هذه المسألة بعد هذا البحث المطول نسبيا، والمتشعب على أكثر من صعيد؟


فلا اليهود أقوياء بطبعهم، ولا المسلمون ضعاف بفطرتهم - كما رأينا سلفا-، لكن من يعمل بسنن الله في الكون (التعليم، التعاون، الانضباط، الجدية، الاقتصاد، التخطيط، التفكير السليم، ...) ينجح مهما اعتنق من شريعة أو دين، يكفي أن يفكر، يخطط، يعزم، ويتوكل على الله.


ولا ننسى، أن الأمل في التغيير، التعديل، الإصلاح، التطوير، التحليق في سماء النجاح والإبداع والإقلاع يبدأ من الوعي، بناء الإنسان، وتحقيق النهضة من الداخل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء