رسولا الحب / ماهر اللطيف
" رسولا الحب "
بقلم :ماهر اللطيف
كنا نلعب، نمرح، نلهو بين الأشجار والنباتات في غابة قريتنا الجبلية ذات يوم من أيام الصيف الحار، نتبادل مشاعر الحب والعشق والهيام، نخفي علاقتنا الغرامية"المقدسة" عن أعين الحاسدين، والحاقدين، وألسنتهم اللاذعة والمؤذية، حين وجدنا مصادفة مصباحًا سحريًا ملقى في ركن من أركان شجرة صنوبر كبيرة جدا ممتدة المساحة، والأغصان، والفروع.
فتوقفنا عنده هُنيهة، ونحن نقلبه، ونمسّح عليه، ننظفه، نتأمّله، نخاطبه باستهزاء واستهجان - وكنت الفاعل الحقيقي-، نقول له "اظهر وبان عليك الأمان، أيها الجان"، نعيد النداء ونكرره ونحن نضحك، نزداد تقربا ومحبة، ودا وشعورًا بالنخوة والتفاهم....
فإذا ب"الجان" يخرج من فوهة هذا المصباح بسرعة - في صورة خيال شخص شرقي مستطيل الشكل، طويل القامة، يرتدي عِمَامَة وسروال تقليدي، ملابس بيضاء يؤلم لونها الناظر إليها من شدة نورها وبهائها-، مزمجرًا، صائحًا، غاضبا، يفرك عينيه، يتثاءب، يحرك يديه يمنة ويسرة بحركات رياضية رشيقة وهو يقول لنا بأعلى صوته:
- "شبيك لبيك ملك الجان بين يديك" مُراني أيها العاشقان
-(حبيبتي مرتبكة، منهارة، خائفة ويكاد يغمى عليها) بسم الله الرحمن الرحيم، (تقرأ المعوذتين) اللهم إن كان سحرا فأبطله
-(أنا وقد ارتعدت مفاصلي وكدت أسقط أرضا خوفا) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
-(الجان غاضبا، هائجًا ومائجًا) اطلبا ما ترجوان في الحال....
وكرر طلبه مرارا وتكرارًا دون أن يحظى بجواب منا يمكنه تحقيقه لنا في الحين، -بما أننا قد فقدنا الوعي من جرّاءِ هذا الحدث وهذه الواقعة وبقينا كذلك مدة زمنية لا نعلم مدى طولها من قصرها -، مما جعله يختفي مجددًا ويتركنا وحيدين بين الأفاعي والحيوانات المختلفة المتواجدة في هذا المكان.
وبعد أن استعدنا عافيتنا، وعينا وإدراكنا، تذكرنا ما حدث بتفاصيله وجزئياته - وما زال الخوف، الرعب، وطأة الصدمة تحاصرنا -، بحثنا عن ثمرة، نبتة، أو حتى بركة مياه يمكنها أن تروي عطشنا وتذهب عنا هذا الظمأ الشديد الذي شعرنا به لحظتها، لكننا لم نظفر بطلبنا للأسف...
ومنها تذكرت للحظات حلما في هذا الإطار حلمت به منذ مدة - في بداية علاقتي بمرام حبيبتي الأزلية هذه - مفاده أني كنت أمتطي سجادًا سحريًا بمعية حبيبتي، نجوب به عالم الحب الفسيح، نحل مشاكل العاشقين ونذلل صعوباتهم، نبعد عنهم العوازل والأشرار، ....
وكان العشاق يطلقون علينا اسم "رسولا الحب"، بعد أن ذاع صيتنا وانتشر خبرنا، ونبأ ما نقوم به من أجلهم ومن أجل "مملكة الحب" حتى تزدهر، تنمو، تتطور، تقود العالم بأجمعه وتمسي مثالًا حيا للبشرية قاطبة....
ومازلت كذلك، أسبح في ذكريات هذا الحلم الجميل، حتى أيقظتني مرام بكل رقة وحنين ولطف، متسائلة عن سبب ذهولي وشرودي، فأخبرتها بحلمي و كل تفاصليه، ضحكت عاليا، قهقهت، ثم همست في أذني" ألم يعترض سبيلك عاشق عنيد، شرقي الطبع والطباع، فأقفل باب الحِوَار في وجهك، صدك ومنعك من التدخل في شأنه؟ ..."
وهذا ما جعلني فعلا أعيد ترتيب أفكاري، أعدل من حلمي، وأحاول تنقيحه - وهو محال طبعا في الحقيقة -، لأخلص إلى أن "من تدخل في ما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه" و "إرضاء الناس غاية لا تدرك "وغيرهما من المقولات والعبر التي باتت حقيقة في مجتمعنا المعاصر، جعلت مني-" رسولا الحب"- رسولا "محدود الصلاحيات والإمكانيات، والتدخل والتوسط بين المحبين ومن يتعاملون معهم"، رسولا حالمًا يصطدم بواقع مغايرًا لِما يراه ويطمح في القيام به.....
وما هي إلا لحظات حتى داهمنا الظلام، كثرت أصوات الحيوانات، اشتد بنا الجوع والعطش، وكذلك الخوف والتردد والريبة، فأسرعنا بالعودة إلى منازلنا دون تفكير، حتى لا ينكشف أمرنا بين الناس ويحصل المحظور في قريتنا المعروفة بكثرة "القيل والقال" و تنامي ظاهرة الفتنة وبث الإشاعات وغيرها.....
تعليقات
إرسال تعليق