المقامة الطنبورية /عبد الناصر عليوي
المقامة الطنبورية -------------- حدّثنا أبو الفتحِ النيسابوريّ عن أبي القاسمِ الطَّنبوريِّ، وكان شيخاً عجيباً لبيباً، وبليغاً أديباً أريباً، يصلحُ أن يكونَ لكلِّ ذي سقمٍ طبيباً، قال: سُئلتُ يوماً في مجلسٍ من مجالسِ الأخيار، فقالوا: يا أبا القاسم، قد علمنا أنّك رجلٌ من أهلِ الأسفارْ، جُبتَ الأمصارْ، وخالطتَ الشيوخَ وكبارَ التجّارْ، وجلستَ إلى الأمراءِ والوزراءِ وأربابِ القرارْ، فحدّثنا عن أعجبِ ما رأيتَ في أعوامِكْ، وأطرفِ ما مرّ بك في أيّامِكْ. قال: نعم، سأُحدّثُكم عن حادثتَين، فيهما من العِظةِ والعِبَرْ ما يصلحُ عبرَ الزمانِ والدّهرْ، لمن يريد أن يستفيدَ من الأخبارِ والسِّيَرْ. إحداهما بمدينةِ السّراب في دولةِ القمع والإرهابْ، في عهدِ الملكِ الضليلِ هابيلَ بنِ شَرْشابيل، وسأبدأ من غيرِ مقدماتٍ وشرحٍ طويلْ: حدثَت ثورةٌ في إحدى البلدان، إذ كتب بعضُ الصبيانِ عباراتٍ على الحوائطِ والجدران، فجنّ جنونُ جماعةِ هابيل، وطاش عقلُهم كأصحابِ الفيل، فجمع قائدُ الشرطةِ الأولادْ، وقال: سأُربِّي بهم جميعَ البلادْ، وأجعلُهم عِبرةً لكلِّ المتمردين من العبادْ. فقلع الأظفار، وحرّق الأماكنَ الحسّاسةَ...