مرثية لشاعر لم يمت (( الشاعر محمود درويش )) / محمود محمد أسد

مرثيّة لشاعر لم يمتْ     
(( الشاعر المرحوم محمود درويش ))
 
يقولونَ : ماتَ الكنارُ
و غرَّدَ قبلَ انتهاءِ الحصارْ ...
يقولون : عاشَ الصبيُّ الشقيًُّ
و لم ندرِ أنَّ الرحيلَ
بدايةُ نبضِ البقاء ...
لمَنْ عاشَ قبلَ الأفولِ البغيضِ
لمَنْ سوف يحيا
إذا فزَّ الرُّعاف ؟
إذا كنْتَ ترضى انقسام المحاصيلِ
فينا ، و كنتَ تأبى انصهار
التخاذلِ فيهم ، فأين تكونُ
التباريحُ و الأغنياتْ ...
إذا جئْتَ تحمل نعشَ البيانِ
فهل كانَ هذا وداعَ الكبارْ ؟
ترفرفُ للَّيلِ و الأرضِ و النارِ ،
تشدو فتأتيكَ وخزةُ
ذلِّ الخصامْ ....
تجافيكَ ريحُ التنافر ،
تُمْسِكُ نبضكَ ،
تبكي وحيداً ، تعاتبُ جُرْحَكْ ...
و يَرْقُصُ فوقَ الجراحِ قصيدُكْ .
فلسطينُ فيكَ القرارْ
و مركزُ حبٍّ يضيءُ
لكلِّ البحارِ
و كلِّ الفيافي
و كلِّ الديار ...
فلسطينُ عندكَ أمٌّ و أختٌّ
و أنثى الجهاتِ الخصيبهْ ....
و ليلاكَ في كلِّ فجرٍ
تمشِّطُ شعركَ
تضفِرُ عشقَ الأمانْ ....
تجمِّعُ دمْعَ القصائدِ
تغزِلُ ريحكَ
و القدسُ تنهضُ شوقاً
للثمِ الصبيِّ المشاكس ...
ترِفُّ بقلبِكَ فوقَ المقابرِ
تسكُبُ عطرَ الجنازةِ ،
أعطيكَ قلباً يقاسي
شتاتَ الحوار ....
تموتُ لحينٍ ، و تذهَبُ طيرا
جناحاهُ خيمةُ حزنٍ
و بيتٌ حنونٌ
لكلِّ الشتاتْ ...
تعيش طويلاً طويلا
تعيشُ ، لتُنشِدَ ، تبعثَ
فينا الذي كان يحلمُ يوماً
بعودةِ ذاك القطار ....
تعيشُ ، أجلْ فيكَ بعضُ غِنائي ،                                             
و بعضُ نشيجي
ستأتي وسيماً أنيقاً
جوازُ عبوركَ عشقٌ مُباح
و دربُكَ وردٌ تكحَّلَ
بالعاشقينَ
 فلسطينَ أرضَ السلام .
إليكَ تسابَقُ عطرُ القصائدِ
عند الأصيلْ .
أجَلْ ،لم يكنْ للرحيلِ نهوضٌ
و لم يكُ للآخرينَ
يسوقُ الحكايهْ.
أراكَ على مركبٍ فوقَ كل الحرائقِ ،
يمضي، يجدِّفُ في نزقٍ
و البحارُ علاها الوجومْ .
أباعِدُ بيني و بينَ الرحيلِ المفاجئْ ...
أقاربُ بين الفؤادِ الكليلِ
و بينَ اتِّساعِ البقاء
فهلاَّ أخونُ المسافةَ
عندَ انشطارِ الأحبَّهْ ...
أجلْ سوفَ تبقى وحيداً
على سارياتِ المواجعِ
في ضفَّةِ الخوفِ ،
تدعوكَ غزَّةُ بين الحصارِ
و بين القذائفْ
أجلْ ،مَنْ يجيبُ نداءَ الشقيقِ ؟
فهذا فؤادُكَ شاهدْ .
و هذا حضورُكَ يشهدُ
حرب القبائلْ.
تسافِرُ فينا ،وجُلُّ القصائدِ
ينهَلُ من دوحِ شعرِكْ
تموتُ لتبقى نديَّ البشائرِ ،
يومَ استمعْنا
و كنتَ المسافرَ في كلِّ وقتٍ
و فوق المنابرْ ..
تجيء إلينا حزيناً
ترفرفُ، تُلْقي نشيدَكَ ،
توخِزُ كلَّ الضمائرْ
** ** **

حلب 11 / 8 / 2008

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء