بعيدا عن الحساسية المفرطة/محمود محمد أسد

 محمود محمد أسد

  بعيـداً عن الحساسيـة المفرطـة

§ قال لي : آمل أن نبقى أصدقاء . فلا تضَعْ يدَك على جنبكَ مع كلِّ جملةٍ أكتبها . وتظنُّ أنَّ شوكةً منّي توخزك وآمل أن تحافظ على هدوئك واستمرار العلاقة بعد كلِّ جملة نقدٍ أوجِّهها . فتشكرني حضاريّاً أمام الحضور وفي الأيَّام القادمة تدير وجهك .

§ هل شهوةُ الكلامِ في كلِّ مجلسٍ ومكانٍ مستحبةٌ ومقبولةٌ من الآخر ؟ فكيف إذا كان الكلامُ مكرّراً و لايضيف شيئاً ذا نفع إلى الحضور والجالسين ؟ ومَنْ يستطيع احتمالَ حديثٍ لا يخرج عن إطارِ الذاتِ المتوقفة عن الإبداع ... أرجوك أن تقرأ عيون الحضور ونظراتهم .

§ يا صديقي ! إني قبلتُ عتابكَ الودِّيَّ . فلم أذكر العددَ الكبيرَ لمؤلفاتك ومكانتك الأدبية وموقعك في المشهد الثقافي رائداً ومحرِّراً ومتابعاً .

§ أقبله عتاباً ودوداً . ولكن أهمس في أذنك : كلّ هذه الأمور لا يرفعها إلا العطاءُ والإنتاجُ  و الإضافات الجادّة . أنتظرُ منك عتاباً ذا جدوى .

§ الأدب الحقُّ والصادق ينبعث من عمق التجربة ، والموهبة الحقيقية نبْعٌ يفلق الصخرَ لتعطي نميراً . ولذلك لا يقاسُ الأدبُ بالسنِّ والشبابِ والشيخوخة والذكورة والأنوثة واليمين واليسار ومعنا وليس معنا هذه الحقيقة الجوهريَّة متى نأخذ بها . يقيني أنَّ هناك جيشاً متقاعداً من العاطلين عن الإبداع سيقلقون ويقفون معارضين .

§ بدافعِ الحبِّ يتحمَّسُ الآخرون فيُقدِمون على خلقِ حالةِ إيجابية من العمل المشترك ، ويتوجون جهدهم بعد لأي ونقاش وصراخ أحياناً ، ما أن يخرج العملُ وتسطَّرُ الأسماءُ المشاركة والمشرفة حتَّى ترتفع الأصواتُ الكامنةُ في الظلِّ والراضيةُ بذكر اسمِها فحسبُ .

§ وبعدها يستيقظُ العاطلون إلاَّ عن مصادرة التعب ونكران الجميل فينظّرون و ينقدون.  أحدهم قال : قرِّبهم منكم تكسبْهم . قلْتُ له : هذا حدثَ . وعندي الأسماء ...

§ بعد عناءِ العملِ الجماعي والتواصل مع كلِّ الأصناف تفتَّق ذهني وعبقريتي التي استيقظت لمرَّة واحدة . فقلت لماذا لا يصنعون حافلات تسير في العرض ولها كرسيٌّ أماميٌّ واحدٌ ، وبذلك نحفظ حقَّ الجميع في الجلوس على المقاعد الأولى ... ونحظى برضاهم جميعاً ...

§ لكلِّ عملٍ مقوِّماتُ نجاحِهِ ، طبعاً لا أعني الوساطاتُ والانتماءاتُ . ولا أقصد الاتصالاتِ الهاتفيةَ والهدايا ولا أعلم إنْ خَطَرَ على بالك مثل هذه الأمور المخفية. الوعيُ للتجربة الأدبية ، والتوقّفُ عند مسارات النقد وأحكامه . جسر العبورِ والنجاحِ للأديب الحقّ الذي يدرك معنى الصعودِ الذي لا نزول بعده .

§ اخترْ ما تشاء من المقوِّمات والنجاح للأبقى والأعمق تأثيراً ...

§ بإمكانك أن تكتبَ في كلِّ دقيقة قصَّةً قصيرةً جداً وبإمكانك أن تكتب في كلِّ ساعةٍ ديواناً حسب مقاييس العصرِ وما يطلبه المستهترون . وبإمكانك ألاَّ ترفض مشاركة في ندوةٍ أو بحثٍ أو مؤتمر . ما دمتَ تحسن عملية القصِّ واللصقِ وأنت على ثقةٍ بأنَّه لا يوجد من ينقد ويتداخلُ ويبدي الرأي .

§ ولذلك أرجوك أن تبحث عمَّا يبقى من هذا الغثاء ... لا تضع يدك على جنبك .

§ الأحاديث نفسها . أراها مكرّره من الأشخاص . في كلِّ مجلسٍ وعلى صفحات الصحف والدوريات والبرامج الثقافية . يبدو أنَّنا معصومون عن الخطأ ، ولكننا مصابون بمرضِ تعقيم الذاتِ عن طريق نشر غسيل الآخرين وأنا أسأل ولا أسألك لأنَّك الأدرى والأقدرَ على سحبِ نفسِك من المشهد كما تسحب الشعرة من العجين .

§ من الجاني ؟ ومن المتَّهم ؟ ومن المدَّعي ، وأخيراً من المحاسبُ ... ؟ أرجوك ألا تعيدَ السببَ إلى الاستعمار . لعنه الله ...

§ 10)| الأدب طاقة إبداعيّة خلاّقة جُبلَتْ بعبقِ الكلمةِ الصادقةِ والصورةِ الموحيةِ والفكرِ الثاقب. من المفروض أن يثير فينا الأسئلة الصعبةَ والجريئةَ ، وبالمقابل أن تحرَّكه وتحرِّضهُ الأسئلة الملحَّة . أظنُّ أن حديثَ المقاهي والحانات ما عادت تثيرُ هذه الأشياء . فأين الأسئلةُ الكبرى التي تثيرُ ثورةَ الإبداع وثورةَ الإنسانِ على واقعةِ المسّوَرِ بالقلق والهموم والضياع ؟ .

§ قال لي : ألسْتَ رائداً في مجالٍ ما . قلتُ : معاذ الله ! وما الذي أوحى لك بهذا السؤالِ .

§ قال من جديد : قرأت في سجل الأرقام القياسية : هناك روّاد للجنسِ الأدبي على مستوى الجنسِ وعلى مستوى التسمية وكذلك العنونة بالأرقام . وهناك ريادة في نسفِ الثوابتِ وقتل الذاكرة .

§ قلت له : وما يعنيني من هذه الريادات إذا لم تتوَّج بالعمل والاستمرارِ والإضافاتِ . لكنَّني أحبُّ أن أكونَ رائدا على مستوى الصمتِ المتوَّجِ بالعملِ . وأبحثُ عن مرتشِ يستطيع ترويجي على الساحة الصاخبة بالهلوسة .

§ مَنْ يقدرُ على إنصافِ الأدباءِ الشباب الذين تقرأ مرارةَ معاناتهم وحرقة قلقهم وروعةَ تفهُّمهم لمعطيات الحياةِ السريعة . في كتاباتهم روحهم وروح عصرهم . ربَّما ننقصها بعض الجوانب الفنية التي يتكفَّلُ الزمن والتجربة بها . ولكن كيف للكبار أن يسمحوا لهم . أبحث عن جيلٍ من النقَّادِ المنصفين الثائرين على قواعدِ لعبةِ الكبارِ المتمسكين بزمام الأمور . دعوة للمقارنة والدراسة بين نتاج الشبابِ والقامات  الكبيرة جدّاً جدّاً ...

§ سأكون سعيداً إذا أثرتُ الأسئلةَ ، وحرّكتُ النفوسَ وألهبْتُ غضبَ المهووسين بحبِّ أنفسهم المتضخمة كالطبل الأجوف . وسوف أكون أكثرَ سعادة إذا جردتني من ثيابي الأدبية لأبدوَ على حقيقتي فلا أعترف إلاَّ بالإبداع الحقِّ . ولا تهمّني الوثائق والشهادات التي أصبح لها سوقٌ رائجٌ في كلِّ محفل ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء