ماجرى في معرض الكتاب /محمود محمد أسد
ماجرى في معرض الكتاب
ينظرُ إليّ بلا حاجز.. يدعوني بلطف.. يبدي بشْرا.. ها هو أمامنا وقد تجاوز الحواجز التي وقفت حائلا أمام وصوله.. جاءني على طبَق من ذهب.. دعْوتُه جادة.. عنوانه بارز. وهل للمرء أن يحسن الاختيار وقد تخدعه العنوانات.. الجلدُ أنيق وجميل, وكأنك في معرض أزياء.. تنسى نفسك أنّك في معرِض أفكار... الصفحات في الداخل ناصعة مزدانة تعرض عليك أشهى الوجبات المتنوعة. منها المعروف والمكّرر.. ومنها الجديد المبتكر.. منها الأكلاتُ الشرقية العربية ومنها الأكلات الغربية المستوردة, وبينها ما يُغني ويفيد وما يزرع السمَّ في الدسم..
هناك نظرات أكثر جاذبية وإغراء.. هناك إحساس ورغبة بهذه الوجبات.. تعدُّ نقودك.. تتحسَّس جيبك.. تسأل عن أوّل الشهر.. تقول أخيرا أين أضعها.. أضعُ يدي على بطني ,فلا أشعر بالجوع.. أضعها بجيبي فيؤلمُني جوع آخر.. أحاورها عن بعد.. أسأل عن شريكة حياتي.. يجب أن تختار الطبخة وأثاثّ البيت.. من زمن سلّمْتها الأمر.. تتحكّم بلون عقدتي وسترتي، وبنوع علاقاتي..
ومن يقرأ كتبي يجدُ ثورة وتحدّيا ورفضا للواقع السلبي.. ولكن احمد الله ,أنني لم أسمعْ هذه الملاحظة من أحد.. وتبقى هذه الحالة لغزا وسؤالا غائبا : لماذا لم يلتفتْ أحد إلى كشف هذه الملاحظة ؟
سأتبرّع لك بثلاثة أجوبة لتختار الصواب :
لأنهم لا يقرؤون لي وربّما لا يقرؤون لغيري.
لأنهم قرؤوا بسرعة وتصفّحوا الكتب دون تمعُّن.
أو لأنهم يفصِلون بين الكتابة ومضامينِها وسلوك الكاتب وحياته الخاصة.
كلمات خشنة لحد ما تلامس صيوان أذني.. حطَّ صداها في أعماقي.. قالت له :
انظرْ. هذه مجموعة كتب، ألوانُ جلدها تتناسبُ مع لون الخزانة وطلاءِ البيت وستائره.. أخيرا وجدْناها.. هزّ رأسه دون أيّة إشارة ,وتقدّم معها ودفع الثمن وحملها ,وهي تمشي بخيلاء، تشعر بنشوة النصر..
وبعد قليل سمع كلمة ًمن سيد ارتدى بزة أنيقة .برز منها قلمٌ ذهبي متميّز.. وقد وضع نظاراتٍ تليق برجال الفكر والعلم.. وأين لهم هذا ؟ أخرج مسْطرة.. قاس أطوالَ بعض الكتب وعرضها.ثمّ أخذ كتبا تتناسب بالطول والعرض. قال للمشرف : أريد ثلاثين كتابا من هذا الشكل واللون.. قال المشرف وبدهشة حزينة ,وقد كُسِر خاطره : ألا توجد لديك عناوينُ محدّدة.. خذْ هذا الدليل.. نظر الرجل المناسب لعصره.. وقال : أنا يهمّني أن أضعها على رفٍّ فارغ في مكتبتي التي ملأتُها كتبا تتناسبُ مع طول الرفوف.
كنت أهزّ رأسي وأتلمّس جيبي.. أضحك حينا، أتألم، تذكّرتُ زوجتي وهي تودِّعني صباح هذا اليوم وكانت تقول : ابحثْ في أمر مكتبتك.. سنزوّج الولد.. وزِّعْها على أصدقائك بعْها.. بالأمس تخلَّصْتُ من بعضها لبعض زميلاتي.
انتابتْني الدهشة.. هزّتني الحادثة.. وأيَّة حادثة.. زوجتي أمِ السيد أم السيدة ؟
قلتُ لها اتركيها للمساء ,سوف آخذها لبيت أمي ..
تقدّمت من المشرفِ على الجناح واخترْتُ بعض الكتب.. وقلت له : أعطني بما يعادل خمسمائة ليرة..
حملُتُ نفسي وذهبت إلى بيت أمي. وشعرْت بالراحة وأنا أضعها في مكتبية بيتنا القديمة..
*****
محمود محمد أسد
تعليقات
إرسال تعليق