الوعي والغباء الغربي /خالد عبد الصمد

 الــوعـي والغبــاء الغــربي (الجـزء الــرابع).

أعتقـــد أن أجتمــاع منظمـة شــنغهاي للتعــاون لطمــة قـوية مـن الشــرق للغــرب، فهــل الغــرب ســيسـتوعب قـوة اللطمــة للخــروج مـن أوهـام الهيمنــة الـي واقـع التعـــددية (وهــم التفــوق التـاريخـــي). الهنــد وروســيا والصــين العمـلاقـة الثـلاثـة فـي أورراســيا "مثلــث بريمـاكـوف"، عـلي طـاولـة واحــدة الــود فـي العــلن وفـي الغــرف المغلقــة أذابـة للتناقضـــات والتعارضــات.

بأســتعراض الصـور ومقـاطـع الفيــديو والمنشــور عـلي وســائل الأعــلام، قـد يبــدو شـي جيــن بينــغ وبوتيـــن ومــودي ودوديــن للغــاية. لكـن المظــاهر ليســـت كـل شــئ، الخــطط والعـلاقـات الحقيقـية فـي الظــل وليـس فـي العــلن.

وقـد يكــون لقــاء مـودي وبوتيــن يعكـس التمســك بالشــراكة بيـن البلــدين، الهــند تـدور فـي مـداراين فـي نفـس الوقــت ســعيا لمصــالحها، مـدار الشــرق الروسـي (الطـاقة والسـلاح)، ومـدار الغــرب لتكـون حليفـــه وداعـم لكــن هيهـــات، فالعرقيــة مازالــت قبــلة الغــرب. وكذلـك رئيـس وزراء أرمينيـــا (نيـكول باشـــينيان) يتحـدث وديــا مـع بوتيـــن، بالـرغـم مـن محـاولات الغــرب أفســاد العــلاقـة بيــن روســيا وأرمينيـــا.

مـن المـؤكـد أن جميـع الـدول فـي منظمــة شــنغهاي للتعــاون، ســـواء أعضـــاء أو مراقبيـــن أو ضــيوف لديهـم مصــالح متـداخـلة. بعضــها متـوافـق وبعضــها متضــارب، وهـذا طــبيعي وبمناقشـــة المتضــارب يمكــن وضـع نقــاط الألتقـــاء، لبنــاء جســور التفــاهم لتبــادل المصــالح. فمـا لا يـؤخـذ كـله، لا يتــرك كـله. والنقاشــات فـي الدوائــر الأوســع "متعــددة بـدلا مـن الثنـائيـات" أكــثر فاعليـــة. ومـن هنــا قـد يتضــح الفـارق بيـن البريكـس ومنظمـة شــنغهاي، البريكـس منظمـة عالميـة وقـد لا تهتــم بشــكل مباشــر بقضــايا الصــين وروســيا عـلي ســبيل المثــال، وهـي تتعــارض مـع الـرؤيـة الأمريكيــة بـأحـادية القطــب. أمـا منظمـــة شــنغهاي، فمهمتهـــا الأسـاسـية تحقيــق الأمـن فـي شــرق آســيا، ولتخفــيف حـدة التنـافـس بيــن دول آســيا الوســطي. ومـن الطـبيعي أبقــاء الغــرب وخاصــة ذات العمـاد "غـرب الأطلســي"، خـارج المنطقــة بشــكل رســمي ومباشـــر. الا أن شــنغهاي تتبــني ســـمات مجمـوعة البريكـس أقتصـــاديا، ومـن المخــطط أنشــاء بنـــك لمنظمــة شـــنغهاي وهـو أمـر لافــت للنظـــر. فهـــل هـذا محـاولـة لـدمج المنطقــة الشـاسـعة ماليــا، وأقتصــاديا بعيــدا عـن التعقيـــدات الغربيـــة وتدخلهـــا ســواء مـن قريــب أو مـن بعــيد.

ومـع توســع مهــام منظمــة شــنغهاي الأقتصــادية، كـان لأبـد مـن تقســيم الأدوار بيـن روســيا والصــين. روســيا أصــبحت أكـثر أريحيــة عـندمـا أنتقـلت القيــادة الـي الصــين بالمشــاركة الروســية.

الغــرب لا يــري منظمـــة شــنغهاي خطـــر وجـودي لـه (غيــاب الـوعـي السـياسـي والأســتراتيجي)، بـل يحـاول التركـيز عـلي المصـالح المتضــاربة، لمحـاولة أيجـاد الصــدوع لتخريــب هـذه العـلاقـات (عـلي ســبيل المثــال محـاولة مـاكـرون لأفســاد العـلاقـة بيـن أرمينيــا وروســيا).

الأكـثر غـرابـة أن الغــرب منظمــة شــنغهاي نظــام للتحالفــات "للتكتــلات" لتحقــيق الأمـن القـومـي ضــد طــرف "عـدو" خـارجـي، وهـذا خطــأ أســتراتيجي فهــذه الـدول تســعي لتحقيــق الأمـن القـومـي فيمــا بينهــــا "تجـارة المخـدرات والأرهـاب عـلي ســبيل المثـال". الغــرب يـري مـن خـلال التأطـير لكــل شــئ بلغــة الأيدولوجيـــا "أفكــار تخفـي مصــالح معينــة أو تضــليلا"، وهـذا يــؤدي الـي عــدم قــدرة الــدول "أقصــد الأوروبيــة" عـلي متابعــة مصـالحها الوطنيــة. وفـي نفـس الوقــت الصــين وروســيا والهــند يحـاولـون التنســيق عـلي المصـالح التنافســـية، بأيجــاد معـالجـة للخـلافـات لا تعظيمهــا. التـواجـد فـي منظمــة أكــثر مـرونـة، لا يضــطر آي عضــو لتهميـش مصـالحه الوطنيـــة مـن أجـل توحـيد السـياسـات ودون أقصــاء.

فـي تقــديري أن الغـرب يتمســك بالجانـب الســطحي، أمـا الشــرق يســعي الـي بـواطـن الأمــور "الجـذور التـي لا تـري بالعـين المجــردة". وقـد يكــون أحـد الأدلــة أن ذات العمـاد "غـرب الأطلسـي"، جذبــت الهنــد الـي ســياســة الأحتــواء الموجهــة، ضــد مـا يسـمي أو يقـال عليــه طمـوحـات الصــين العدوانيـــة وتوســعها. فـي حــين أن الصــين نجحــت فـي الأبتعــاد عـن السـياسـات المظلمــة "الصــراعات والنـزاعـات الموجهــة وغـير المبــررة"، بـأدعـاء أنهـا دولـة ناميــة لا تســعي الـي الســيطرة والهيمنــة. والغــرب خــذل الهنــد كبـديل للأحتــواء بفــرض الضـرائب الجمـركـية، والعقــوبات لشــراء النفــط والغـاز الروســي. أزدواجيــة المعـاييـر فـي التطــبيق كـان لطمــة للهنـــد، فالصــين لـم يتـم التطــبيق عليهـــا، أمـا الهــند فقـد تـم التطــبيق عليهـــا.

 

الغــرب يـري أن الأحـاديـة القطبيـــة وتفكــيك التكــتلات، هـو الحفــاظ عـلي الأمـن القــومي. وهـذا خطـــأ أســتراتيجي، فلكــي يســتقر النظــام العـالمـي، لأبـد مـن تحقــيق التــوازن بيـن القـوة والشــرعية. وهـذا يعـني تعــدد القطبيـــة، دون ضــرورة الصــراع والنـزاع عـلي الهيمنـــة. كمـا أن الغــرب يضــطر لأســتخدام أزدواجيــة المعـايير، نتيجــة عـدم الأعتــراف بالـواقـع بشـكل مباشـــر. عـندما يحــاط القــوي بآخـــرين لـديهـم القــدرة والقــوة، يلجـــأ الـي أزدواجيــة المعاييــر لتخطــي الصــعاب، والـي الألتفــاف عـلي المعــاني كنــوع مـن الخــداع.

فـي الماضــي تـم فصــل الســوفييت عـن الصــينين (فكــرة ماكنـــدر العـامـة)، كعملاقيــن أوروآســيويين، لكـن حـدث التعــاون والتحالــف شــبه المطــلق الآن، ممـا جعــل الثقــل الشــرقي يقــترب مـن التفــوق. والآن يـتم دفـع الهــند الـي الأحتــواء الصــيني الروســي، فـي حــين أن ذات العمــاد فـي أشــد الحـاجـة الـي الهنــد لتحقــيق التــوازن ضــد الصــين.

العمــي الغــربي الأســتراتيجي آدي الـي هـذه الأزمـة العالميـــة، ففـي تقــديري أن روســيا ســابقا أنخدعـــت بفكـرة الأنـدمـاج فـي أنشــاء البيــت الأوروبـي المشــترك، وذلـك مـع نهـاية الحـرب البــاردة. لكــن تمــدد حــزب النـاتـو، دفـع روســيا لأسـتشـعار العدائيـــة الأوروبيــة. ممـا دفـع روســـيا الـي الأنخــراط مـع الصــين كبـديـل فعـــال للغــرب، غالبــا بعــد نهــاية 2014م تخلـــت روســيا تمـامـا عـن فكــرة أوروبــا الكــبري، وكـان التركــيز عـلي تنميـــة أوراســـيا الكــبري.

عــندما أعــلن أشــقر الـروم "المطــور العقــاري" الحـرب الأقتصــادية عـلي العـالـم، فــاز فيهــا فقــط عـلي حلفــاؤه أنفســهم (أوروبــا – اليـابان – كوريـا الجنـوبيـة)، ودفـع بقيــة العـالـم مـن المتضــررين للتـوحـد ضـد سـياسـته الأقتصــادية. لـذا آري أن أجتمــاع منظمــة شــنغهاي للتعــاون، هـو الحوكمــة العالميــة، وليـس مقتصــرا عـلي حوكمــة دول المنظمــة فقـط. وكذلـك لأجتــذاب الـدول التـي دفعــت خــارج مـدار ذات العمــاد والغــرب. أعتقـــد أن الهنــد هـي الحلقــة الأضــعف فـي البريكـس ومنظمـة شــنغهاي، لكــن بعـد أزدواجيــة ذات العمـاد فـي المعاييـر. ســيجعل الهنــد تجتهــد أن تثبــت دورهــا الفعــال (النفــط والغـاز الروســي هـما محــرك أقتصــاد الهنــد، وليـس المنســوجات الهنـدية منخفضــة التكاليــف والقيمــة).

وقـد يكــون أشــقر الـروم (المطــور العقــاري) دفـع الهنــد الـي خــارج مــداره، الـي مــدار الصــين وروســيا (أغــلق أختيــار الأنحيــاز). والهنـد تـري مســتقبل أقتصــادها مرتبــط بروســيا والصــين وأيــران وبـاقـي مجمـوعة شــنغهاي عـلي البريكـس.

صــندوق النقـد الـدولـي – البـنك الـدولـي – منظمـة التجـارة العالميــة – ميثــاق الأمـم المتحــدة، مـن المفــترض أنهـا تـدعـم التعــددية القطــبية، والمعـامـلة المتســاوية للـدول وهـذا لـم يحــدث. أنتهــاك كـافـة المواثيـــق أو القـواعـد بوتيــرة متســارعة مـن قبــل ذات العمـاد وأوروبـا مـن خلفهـــا، آدي الـي ما عليــه العـالـم الآن. الصــين صــارت نـواة الكتــلة الحـرجة الـي حـد كــبير، بســبب سـياســتها الماليــة، وأحتيـاطياتهـا مـن النقــد الأجنــبي، وقوتهــا الأقتصــادية والتصـديرية والتكنـولوجيـة. لـذلـك آري أن العـرض العســكري الصــيني يعكـس أن لهـذه القــوة، جيـش يحميهــا مـن آي تـدخـل خــارجي. عـدم حضــوري مـودي للعـرض العســكري قــد يكــون أمـر ســيئ، فالهنــد ضــحت بحـوالي 1.50 مليــون جـندي فـي الحـرب العالميـة الثانيــة، حينمـا كانــت جــزء مـن الأمـبراطوريـة البريطانيـــة. وكـان عليـه الحضــور لتكــريم ذكــري هـؤلاء الجنــود، وعـدم الحضــور قـد يكــون نـوع مـن المجاملـة الدبلوماســية لـذات العمــاد.

 

الحــرب البــاردة الجــارية بيــن الغــرب والشــرق، يـراهـا البعــض تهــديد بالفوضــي لأقتصــاديات آخــري. عـندما تفكـــر فـي الأنفــلات مـن تبعيـــة ذات العمــاد. الحقيقـــة أن الجـاري معـركة حضــارية، لأعــادة هيكـــلة وســـائل التجــارة والتمـويل الخــارجي. ليخــرج الـدولار مـن الهيمنـــة عـلي الأقتصــاد العالمــي، وليتــم عـزل أوروبــا وذات العمــاد عالميـــا. فهــل أقتصــاد ذات العمــاد وأوروبـــا قــادر عـلي تحــدي أقتصــاد مثلــث بريماكــوف.

وأخـــيرا حــروب التصــريحات الجـوفـاء لا جـدوي لهـا، أنمـا تســتخدم لتأجـيج مشــاعر العـامـة ضــد عـدو قـد يكـون وهمــي أو ســرابي. الضــجيج بـلا طحــين نتيجتــه مـزيـد مـن الجــوع والصــداع. ونقـــد السـياسـات الغربيــة لا ينبــغي أن يفهــم كعـــداء للشــعوب الغربيـــة، بـل هـو دعــوة لليقظــة مـن الغفــلة السـياسـية، الـتي صــنعت عمـــدا لإقصـــاء المـواطـن الغــربي عـن الــوعي بمـا يرتكــب بأســمه، بـل ولتضــليل الـرآي العـام العالمــي. وأســـتعادة الشــعوب لوعيهـــا وحقهــا فـي المحاســبة والمســاءلة. لصــياغة مســتقبل عالــمي قـائـم عـلى الأحتــرام المتبــادل، والأخـذ بالـرآي والـرآي الآخــر دون أقصــاء.

خـالـد عـبد الصــمد.