المؤامرة / احمد بلول

 المؤامرة

الجهل ، الفقر ، الثقافة ، الدين ، والشعوبية  هي حقول صالحة  للاستثمار غنيّة بموادّها الكفيلة بتدمير أمم ، و توجيه سياساتٍ وأفكارٍ، من شأنها أن تدكّ دولةً  قائمةً بجيوشها ، و سلاحها ،  وعتادها ، وقد عرف السلطان مفعول هذه الأدوات والمادّة الفاتكة ، والعجينة اللاصقة القاتلة ، ومدى تأثيرها في الفكر والسلوك ، فبدأ يعمل على هذه السياسات ، فاتّخذ للجهل مدارسَ وجامعاتٍ  ، بنيانُها من أجود البناءات مكلّلة بأكاليل وشعارات ، ظاهرُها حضارة ، وباطنها مقيّد بتوجيهاتٍ وسياسات ٍ ، تُحدّ من إطلاق عنان العلم وصناعته ، ولو وُجد لم يجد الحقولَ، والأدواتِ  العلمية للبحث والتجريد ، فيبقى رهيناً حبيسَ كفاءة ٍ منصّبَة ٍ بدراسةٍ فوقيةٍ للغرض الذي يساوي الجهلَ في وظيفته ، ولو وُجدتْ كفاءة علمية عالية ، قيّدوها بقوانينَ كقوانين الجهل في وظيفته ، وأدْنَوْا أهلَ العلم منزلةً وشأنا ، فهمّشوا الكفاءةَ ، وقرّبوا الرداءة , و أحطّوا بالمعلّم والتعليم ، فأصبح المعلّم والأستاذ الجامعيّ يقترض ديْناً من بعض طلبته المقاولين والمدعومين من بنوك وطنية  ، من الطلبة الذين طُردُوا يومًا من المدرسة ، والجامعة لرسوبهم ، فشرعت هجرة الكفاءة ، وطارت لتحطّ في أوطانٍ أخرى  ، ويبقى مَن بقي مجبرا على سياسة الواقع نظير العيش بقرب الأولاد والأحفاد .

ويبدأ الفقر ويزداد السعر، وتقلّ الوظائف، وتكثر البطالة ، فيصبح تفكيرُ الفردِ من العامّة وهمُّه رغيفا يأكله ، أو لباسا يلبسه ، أو مسكنا يسكنه، وإنّ هذه الأشياء لكفيلة بصناعة الفكر، والمجتمع ، فتتولّد الثقافات وتتغيّر المعتقدات والمفاهيم للحياة ، وما أسباب الفساد في الأرض والعباد والصراعات إلاّ لمغالبة هذه الأشياء .

وإذا ما أحسّ صاحب المؤامرة بطارقِ ليلٍ ، أو قرب الرحيل على وقْع الانتخابات أشعل شموعَ الحماسةِ ،  وأوقد قناديلَ العواطفِ ، من أغاني وطنية ، وأناشيد دينية ، وأشعارٍ عربية، وموسيقى ثقافية ، وعزف على ألحان خطاب المسجد ودور الثقافة من كلّ مثير للعاطفة و الحماس ، وصنع لعدوِّ الأمس تنّيناً وشَبَحاً من أَخَاطِب(*)الشياطينِ، وأغوال العفاريت ، وأضراس التماسيح ، وأنياب الضباع والذئاب ، وصنّاع الموت والاغتصاب (وهم كذلك) خصماً وجعل لنفسه بطلاً يُلاذ به ، وأغدق بالمال على  كلّ مصفّقٍ ورفيق ممّن رافقه ، وممّن أوْحَشَتْهُ لقمة ُالعيشِ والقديدِ ، وما أكثرهم ، فاشترى أصواتَهم نظير لقمة العيش من أموال المؤامرة السابقة ، فإذا زال الغيمُ وظهر الصباح ، أطرق رأسه وساند خصمَه ، كي لا يكشفوا سرّه ، فجعلوا منه مشعوذا لشيطنتهم ، ولسلبهم ما أخذ هؤلاء الفقراء بجهلهم وبطونهم الخاوية ، وهكذا تعاد المؤامرة يوما من الأيّام كالمؤامرة السابقة ، إنّها الخساسة في الجهل ، في الثقافة ، والتفكير  ....

(*)/ جمع أخطبوط / أحمد بلول المسعديّ / الجلفة / الجزائر


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء