السر الاعظم / سليمان دغش

 السّر الأعظم/ سليمان دغش

The Greatest Secret By: Sliman Daghash

لا سرَّ للأسرارِ إنَّ السِّرَّ سِرُّ الّسرِّ في سِرّي

فَكُنْ سِرَّاً لِسِرِّكَ لا تَبُحْ أَبَداً بِهِ إلّا لِنَفسِكَ فامتَلئْ بِهِ 

أنتَ وحدَكَ لا تُشارِكْ مَزهَرِيَّتَكَ الأنيقَةَ وَرْدَ غَيرِكَ

كمْ جَميلٌ أنْ يَظَلَّ السِّرُّ سِراً لا يُسَرُّ، فإنْ كَشَفتَهُ 

ماتَ سِرُّكَ فيكَ والأسرارُ لا تَحيا سِوى في السِّرِّ،

كمْ تَخشى الفَضيحَةَ فوقَ ألسِنَةِ الرّياحِ الآدَمِيَّةِ إذْ

تُثَرْثِرُ في الخفاءِ وما تَعَدّاهُ إلى العَلَنِيِّ، حتّى 

تَفضَحَ السِّرَّ الخَفِيَّ، تُشِيعُهُ وتُضيفُ ما شاءَتْ

 قَريحَتُها السَّخِّيَةُ منْ تفاصيلِ الحِكايَةِ، لا لِشَيءٍ ما 

سِوى عَبَثٍ على عَبَثٍ يُراوِدُ شَهوةً في النَّفسِ 

تَحتَرِفُ التقاطَ البَثِّ حَياً عِبرَ وَشْوَشةٍ وهَمْسٍ 

خافِت الأضواءِ ليْلاً عَلَّها تَسْتَقرئُ الرَّمزَ الخَفِيَّ 

على شَريطِ الشِّيفرَةِ السِّريِّ في المعنى فَتَكْشِفُهُ 

لتَبدأَ بَثَّها العَلَنِيَّ، إنَّ الضوءَ يَهمِسُ في مرايا الليْلِ 

هَسهَسَةً ومهما اشتَدَّ لَيْلُ اللّيلِ يعجَزُ رُبَّما 

عنْ طَمْرِ ما أخفَيتَ في جِلبابِهِ الفَضْفاضِ 

فالمَستورُ أكثَرُ شهوةً وإثارَةً فاحذَرْ إذا ما شئتَ أن

 تنأى بِسِرِّكَ عن مرايا الليلِ والضوءِ الخَفِيِّ 

وهَسهَساتٍ لَسْتَ تَسْمَعُها، لرُبَّما مرَّتْ بخِفَّتِها 

على طَرَفِ الأصابِعِ في تَسَلُّلِها الخَفِيِّ كهَمسَةٍ 

تخشى انفِلاتَ الصَّوتِ في السِّرِّ الخَفيفِ أو اللطيفِ

 فإنَّ أجنِحَةَ الفراشَةِ في هَشاشَتِها لها سِحرٌ 

أثيرِيُّ التّرَدُّدِ مثل هفهَفَةِ النَّدى، وكأنَّ شِبهَ الصَّمتِ 

يوحي بالدَّلالةِ أنَّ شَيْئاً ما يَمُرُّ بِخِفَّةٍ مِنْ حَولِنا 

فَنَهيمُ ما بَيْنَ المَتاهَةِ واليقينِ وبَيْنَ حَدْسٍ لا يَكُفُّ 

عَنِ المُراوَغَةِ المُثيرَةِ للتَّساؤلِ، تَفتَحُ الشُّرُفاتِ أوسَعَ 

مِنْ مداها الواقِعيِّ على مَحاوِرِ أُفْقِها في نِصفِ دائِرَةٍ

 لعَلَّ نكتَشِف الفوارِقَ بينَ رؤيَتِنا 

وبَينَ هواجِسِ الرؤيا، وما الرؤيا سوى وَحْيٍ

 خفيفِ الظّلِّ يعبُرُنا على المرآةِ في عَجَلٍ ويَترُكُنا 

نَكادُ نكَذِّبُ المرآةَ إنْ لمْ تصدُق الرؤيا،

 فكيفَ نُصَدِّقُ المرآةَ والمرآةُ كاذِبةٌ كعادَتِها 

وهَلْ في الصَّمتِ أجوِبَةٌ أمَ أنَّ الصَّمتَ خاتِمةُ الرِّوايَةِ والرؤى؟ 

ولكُلِّ سرٍّ سِحْرُهُ ما دامَ سِراً والغُموضُ أشَدُّ إغراءً وإغواءً 

بفِطرَتِهِ يحُثُّكَ نَحوَ كَشفِ أو اكتِشافِ السِّرِّ 

فالمَخفِيُّ أجمَلُ دائماً والغَوْصُ في لُجَجِ البِحارِ

 تَفوقُ مُتْعَتُهُ على الإبْحارِ فَوْقَ الماءِ، 

هلْ شَعَرَ المَسيحُ بِخِفّةِ الجَسَدِ الكثيفِ إذا تَوَحَّدَ باللطيفِ 

بروحِهِ فكَأنّهُ نورٌ تجَلّى فَوقَ سطحِ الماء، هَلْ للنورِ وَزنٌ؟ لا أظُنُّ،

مشى على ماءِ البُحَيرةِ هالَةٌ منْ حَولهُ أو ما يُشابِهُها 

على عَدَساتِ رؤيَتِنا، فَكُلُّ شيءٍ في اللّطافَةِ 

قابَ فاصِلَتَيْنِ أو أدنى منَ التّحليقِ في أُفُقِ التَّجَلّي 

كُنْ لطيفاً، ليسَ في المرآةِ غَيرُكَ، إنْ رأيتَهُ كانَ فيكَ 

وكُنتَ فيه، فإنما المِرآةُ تَعكِسُ ما يَدورُ أمامها 

فتَجاوَزِ المرآةَ في أبعادِها وانفُض غُبارَ الشَّكِ 

عن مرآةِ ذاتِكَ كيْ ترى ما لا يُرى بالمُقلَتَيْنِ 

وَدَعْ خيالَكَ في سَجِيَّتهِ طَليقَ الجانِحَيْنِ لعَلَّهُ يَهديكَ

 حَيْثُ تشاءُ روحُكَ فاقْتَفي آثارَها إنَّ الخَيال دَليلُها 

ودَليلُكَ الحُلُمِيُّ، نِصْفُ الحُلْمِ وَهمٌ أو سرابٌ تاهَ خَلفَ المستَحيلِ 

ونِصفُهُ الثاني انتِظارٌ في محطّاتِ القِطارِ على طريقٍ 

لا محطات لهُ، فاحْلُمْ كَما تَهوى وَيهوى فيكَ حُلْمُكَ

 سَوفَ يأخُذُكَ المَجازُ إلى النِّهاياتِ الجميلةِ 

مثلما تهوى وأَبعَدَ منْ قناديلِ السّماءِ وما تراهُ العَينُ 

أو ما لا تَراهُ، تلكَ خارِطَةُ الخيالِ فلا حُدودَ ولا قُيودَ 

وكلُّ ما تهوى وصولهُ في الحَياةِ تَكَفَّلتْ بِهِ نِعمَةُ المُتَخَيَّلِ اللحظِيِّ،

 أيَّةُ نعمَةٍ هذا الخَيالُ الحرُّ أهداها لنا؟ 

هيَ نِعمَةٌ أمْ نَقْمَةٌ؟ واللهِ لا أدري، فهلْ أحَدٌ 

يُجيبُ على السُّؤالِ، لرُبّما هِيَ الاثنَتَاْنِ معاً 

فَخُذْ ما شئتَ منها، أنتَ وحدكَ مَنْ يُحِسُّ بما 

تَخَيَّلَ أو نَوى، ويَظَلُّ سراً في خيالِكَ هلْ رأى أحَدٌ 

خيالاً يَفْضَحُ الأسرارَ يَوماً؟ لا أظُنُّ، فلا تَبُحْ أبَداً بسِرِّكَ

 لستُ أدري كيفَ للإنسانِ أن يَحْيا بلا سرٍّ يُقَدِّسُهُ 

وَيَحْفَظُهُ عَميقاً في ثنايا الروحِ كيْ يَبقى بريئاً فيكَ

 إنَّكَ فيهِ أجمَلَ مِنكَ ثَمَّةَ هاجِسٌ في السِّرِّ، بَعْضٌ مِنْ هواجِسِنا،

 نُسائِلُهُ ويَسألُنا ونَحرُسَهُ فَيَحرُسنا 

نخافُ عَليهِ مِنّا، إنَّ بَعضَ الناسِ تَحْسِدُنا 

على السِّرِ المُخَبَّئِ في خفايا الروحِ، إنَّ السّرَّ أعظَمُ 

ما تُخَبئُهُ النُّفوسُ

وكُلُّ إنسانٍ عَظيمٍ خَلفُهُ سِرٌّ عظيمٌ، وحدهُ 

يستَطلِعُ الرؤيا بعيداً عن مداركِ ما ترى العينانِ

 في الكَامِيرا الخَفِيَّةِ، دعْ لسِرِّكَ متعَةَ التحليقِ

 في فَلَكِ الأثيرِ تجاوزاً وتَحَدّيا للمُستحيلِ 

كأنّهُ حُلُمٌ سَماوِيُّ الجَناحِ يَطيرُ حُراً في مداهُ 

ولا حُدودَ تَحِدُّ رُؤياهُ ورؤيَتَهُ ولا أحَدٌ سِواكَ هُناكَ 

يحلُمُ حُلْمَكَ اللَّيْليَّ عنكَ، فأنتَ وحدَكَ 

لا شَريكَ لِسرِّ حُلمِكَ فانْطَلقْ في المُطْلَقِ المَفتوحِ 

أزرَقَ كلُّ شيءٍ كانَ أزرَقَ في البدايَةِ 

فاتَّحِدْ بالأزرَقِ الكَونييِّ ولأزَلِيِّ إنَّ البَحرَ أزرقُ

 والسّما زرقاءُ فاتِحةٌ لتأويلٍ يُراوِدُنا، فَثَمّةَ هاجِسٌ 

للشَّكِ، إنَّ الشَّكَ مِفتاحُ الضَّرورَةِ في التِباسِ الأمرِ حَولَ 

علامَةِ استفهامِنا الكُبرى لِنَكتَشِفِ الحَقيقَةَ جوهراً 

فيما تَعَدّى راحَةَ التسليمِ خارِجَ علَّةِ الإدراكِ فينا 

وانحِسارِ البَحرِ عنْ زَبَدِ الشَّواطئِ حيثُ يَصفو الماءُ

 في منأىً عَنِ التأويلِ والتَّحليلِ والتَّضليلِ، كَيفَ نَفكُّ 

لغزَ السِّرِ في كُنْهِ الحَقيقَةِ؟، نُقطَةِ البيكارِ مُنطلقِ الوجودِ

 إلى الوجودِ وعَوْدِهُ مِنهُ إليهِ، تَضيقُ، تَنكَمِشُ الدَّوائرُ مثلما

 اتَّسَعَتْ إلى ما لا نهايةَ في المَدى الكَوْنيِّ، عائدَةً 

إلى مهدِ انطلاقَتِها وباعِثِ بَعثِها

 عَبَثاً نُحاوِلُ، قَدْ يكونُ اللغزَ نَحْنُ وقَدْ يكونُ اللّغزُ فينا، 

كلُّ شيءٍ في اختبارِ الكَونِ سِرٌّ ربما استعصى علينا

إنَّ أعظَمَ ما بهذا الكونِ، أعني اللهَ، سِــــــــــــــــــرُّ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء