من يصفعني../محمود محمد أسد

 مَنْ يصفعُني، ويقبّلني بقلمه ؟

حلب

منوعات صحيفة الجماهير

الأحد 8-7 - 2012

محمود محمد أسد

أظنّ أنّني أثرْتُ انتباه الآخرين، وحرّكتُ فيهم ما كان ساكنا وراكدا في هذه الأيّام اللاهبة. وأظنّ – وبعضُ الظّنّ إثمٌ – أنّني وضعتُ نفسي في ملعبهم، ورميتُ نفسي في دوائر انشغالهم، كلّ هذا ممكنٌ، ولن يرى القارئ غير هذا، وبذلك أكون قد خفّفْتُ عليكم وطأة البحث، وأزحتُ عن كاهلكم ورمَ الصّمت ولوثتَه ، وزيادة على ذلك سأريحكم من الأحاديث الجانبيّة التي تنطلق عذبة رقيقة من وراء الظّهر. ولكنّها لا تجد الجدول، ولا يحتويها المنهل، فتولد ميّتة. 

ويُضاف إلى ذلك أنّني حدّدتُ الوسيلة والنوعيّة ، وأبعدتُ عن القرّاء المتابعين من خواصّ القوم وعامتهم مالا يُفهَم من صيغ وأساليب وانزياحات ما أنزل الله بها من سلطان، وتجنّبتُ – والحمد لله – ما لا أدّعيه ويشغلني من فراغ.‏ 

وسهّلت مهمّة البحث والردّ والاستفسار عمّا لا يُجدي. فالقلم والورق يتحمّلان عبءَ العتب والردّ والتوضيح ، فهما الرّسولان المؤتَمنان .‏ 

في مقالات عدّة أعترفُ أنّني أشرْتُ بوضوح، وعبّرتُ بمحبّة ومودّة ودون التفاف على المعنى، ودون مواربة ومراعاة إلاّ للحقيقة ، وعبّرت بدافع المحبّة والحرص على القيم والمثل والمنطلقات التي تربّينا عليها. وأشرت إلى مواطن الجمال وذكرتُها ، وحدّدْت بعض مواضع الإهمال والفساد ، وتمنّيّتُ إصلاحها. أقرّ بأنّني مزعجٌ ، وأعترف بأنّني فضّاح، فلم أوفّر نفسي، ولم أبتعد عن رداء الحقيقة ، فكنت على مقربة من القضايا الصغيرة والكبيرة ، ألامس الهمّ البسيط ، والهمّ الكبير في كلّ المجالات الثقافيّة، والاقتصاديّة والخدميّة والسّياحية ، واقتربتُ من هموم ، كادت تغيب، وذكَرّتُ بطباع وسلوكيّات، وأعراف ، أعددْنا لها الأكفان والقبور. وتجوّلتُ في ذاكرة المدينة حبّا وألما وحسرة، وجاءتْني سهامُ الاتهام التي لا تُرمى من عاقل ومثقّف في الوقت الذي جنيتُ فيه رضا العامة.‏ 

كلّ هذا جعلني أسمع النقد إيجابا وسلبا . مواجهة ومن وراء حجاب بفضل المتطوّعين. ومن أولئك الذين لم يلامسوا جنوبهم ولم يتفقّدوا الشّوك، ولم يحاولوا نزعَه. وهذا مبعث سرور وفرح. ولا أذكر هذا شماتة أو من منطلق ساديّ ، بل أشعر بالسّرور لأنّ القلم ما زال قادرا على أداء رسالته ألم يقل الشاعر خالد الشّواف:‏ 

لا تحسبوه يراعا قُّدّ من قصبٍ هذا فمٌ ، وفؤادٌ خافقٌ ويدُ‏ 

ومشعلٌ لسواد الشّعب مشتعلٌ لا كوكبٌ في سماء الفردِ يتّقد‏ 

وناصحٌ بمراقي الخير مؤتمنٌ وفاضح لمهاوي الشّرّ منتقِدُ‏ 

ما صرّ بالحقِّ إلاّ خرّ منحطما للظلمِ ركنٌ من الأركانِ أوعمدُ‏ 

لا يحفظُ الدّهرُ إلا ما تخطُّ يدٌ بنّاءةٌ فجِّرتْ من خلفها كبدُ‏ 

بعد كلّ هذا وذاك كنت أنتظر من يصفعني أو يُقبّلني بحنانه، ويلمسني ببريق قلمه ، وهمس خواطره ووجدانه. يردّ على ما أشرتُ إليه من إهمال وتقصير وتجاوزات خدمية. كنت أنتظِر من يصفعني برصاص كلماته رشقا لا هوادة فيه وبالحقّ ، ومن باب المحبّة والحرص على خير الوطن والحقيقة. كنت أنتظر تعقيبا أو ردّا أو توضيحا من الأخوة الأعزّاء الذين يعيشون في دوحات وممالك المشهد الثقافي، وهو مشهد لايخلو من إيجابيّات ومن سلبيّات وقد أشرتُ إلى معظمها وبمحبّة. كنت أنتظر من يتبرّع ليضيف شيئا إلى الحقيقة التي ربّما تعرّضتْ لشيء من الطّمس والتّحريف من قبلي.، وذلك لغاية ما. باستثناء التوضيح الذي قدّمه نادي شباب العروبة، ومن بعدها توضيح من الإدارة ، وشعرت حينها بالسرور.‏ 

هنا مكمن الحقيقة التي نتهرّب من مواجهتها. ونحن لحدّ كبير نزعم بأنّنا نمتلكها،نعرفُ بعضها،أو معظَمها، نعايشها ونقاسي من الاقتراب منها. وكلّ هذا لا يتجاوز جلسة على طاولة في المقهى أو في مكان ما.. وجلّنا يُدرك قيمة الحوار والنقاش البنّاء.‏ 

أحرص على مسك القلم لأنّني قرأت العديدَ من المقالات ، وحضرت الكثير من المحاضرات والندوات التي تثير وأثارت الأسئلة الهامة والجوهريّة لدى قلّة ،عبّروا حسبَ طاقاتهم وتكوينهم المعرفي، وأغلب التعقيبات والآراء كانت تدور خارج المجال المحدّد ، وخارج المكان تدور الألسنة ، وتسمع ما كنت تنتظر سماعه. ألخوف من المواجهة؟ الحسابات خاصة يدفعها الحرصُ على ما تبقى من علاقات المصلحة؟ وكنت وما زلْتُ أسأل : أين أصحابُ الشأن ، وأين أقلامهم ؟ السؤال يعنى به مديرو المصالح الخدمية قبل المثقّفين ، ولا أُعفي الأصدقاء المثقّفين من هذه المهمّة. فأنتظر من يطلق الأقلام بمحبّة وصدق وغَيرة.‏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إن غاب قالت جائبا غلابا / خالد بلال

ريح هوجاء