اصطياف/عبد الناصر عليوي العبيدي
اصطياف
------
وَقَدْ جَاءَ تَمُّوزُ كَالْهَاوِيَةْ
لِيَنْفُثَ أَنْفَاسَهُ الحَامِيَةْ
جَمِيعُ الخَلَائِقِ تَحْتَاجُ حَلًّا
يُخَفِّفُ لَسْعَاتَهُ القَاسِيَةْ
كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ تَهْوَى اصْطِيَافًا
وَكُلٌّ يُفَتِّشُ عَنْ نَاحِيَةْ
خَرَائِدُ شَتَّى مِنَ الحَرِّ فَرَّتْ
إِلَى البَحْرِ جَاءَتْ لَهُ شَاكِيَةْ
فَحَنَّ لَهُنَّ بِكُلِّ اشْتِيَاقٍ
وَمَدَّ ذِرَاعَيْهِ كَالحَـانِيَةْ
وَأَغْرَقَهُنَّ بِفَيْضِ حَنَانٍ
فَتِلْكَ تَغُوصُ وَذِي طَافِيَةْ
كَأَنَّ الشَّوَاطِئَ بُسْتَانُ زَهْرٍ
يَعِجُّ بِأَلْوَانِهِ الزَّاهِيَةْ
فَحَسْنَاءُ لَاذَتْ بِظِلِّ خِيَامٍ
وَأُخْرَى عَلَى الرَّمْلِ مُسْتَلْقِيَةْ
وَأُخْرَى تَحَدَّتْ لكُلِّ قُيُودٍ
فَرَاحَتْ تَسِيرُ كَمَا العَارِيَةْ
(فَمَايُوهُهَا) شَلَّ فِكْرَ الحُضُورِ
كَأَنَّ الجَمِيعَ بِهِمْ دَاهِيَةْ
تَرُوحُ إِلَى البَحْرِ دُونَ ارْتِيَابٍ
تُصَارِعُ أَمْوَاجَهُ العَاتِيَةْ
وَتَلْطِمُ بِالصَّدْرِ صَدْرَ العُبَابِ
لِيُوقِظَ صَبْوَتَهَا الغَافِيَةْ
فَتَنْهَضُ مِثْلَ نُهُوضِ التِّلَالِ
وَفِيهَا انْزَوَتْ قِمَّةٌ عَالِيَةْ
وَمِنْ قَبْلُ كَانَ هُنَاكَ سُهُولًا
تُدَانِي هِضَابًا بِهَا رَابِيَةْ
وَكَانَتْ تَدَلَّتْ كَأَكْمَامِ نَخْلٍ
كَكُسَلَى العَنَاقِيدِ فِي الدَّالِيَةْ
لِمَاذَا تُرِيدِينَ هَذَا العَذَابَ
فَرِفْقًا بِنَفْسِكِ يَا غَانِيَةْ
سَيَمْضِي النَّهَارُ وَيَأْتِي المَسَاءُ
وَمَا زِلْتِ عَابِثَةً لَاهِيَةْ
بِعَيْنَيْكِ يَكْمُنُ سِرٌّ دَفِينٌ
يُفَسِّرُ نَظْرَاتِكِ السَّاهِيَةْ
فَرُوحُكِ تَشْتَاقُ حُبًّا جَدِيدًا
يُغَطِّي انْكِسَارَاتِكِ المَاضِيَةْ
حَذَارِ حَذَارِ اصْفِرَارَ الرَّبِيعِ
وَتَبْقَيْنَ زَنْبَقَةً نَائِيَةْ
فَإِنَّ الزَّنَابِقَ تَحْتَاجُ مَاءً
تَمُوتُ إِذَا سَكَنَتْ بَادِيَةْ
تَعَالَيْ لَعَلِّيْ أُقَدِّمُ حَلًّا
فَتُسْعَدُ أَيَّامُكِ البَاقِيَةْ
زَمَانٌ مَضَى مِثْلَ حُلْمٍ جَمِيلٍ
وَآمُلُ تِكْرَارَهُ ثَانِيَةْ
---
عبدالناصر عليوي العبيدي
تعليقات
إرسال تعليق